"لم نكن حداثيّين في يوم من الأيّام" - توصية قراءة

د. يوخي فيشر | 20.08.2020 | تصوير: lotte

في هذه الأيّام على وجه الخصوص، ثمّة نصّان يستحقّان القراءة نُشِرا متجاورَيْن في مجلّة "تيئوريا فِبيكورِت" ("نظرية ونقد") 26 (ربيع 2005):

اثنان من الأمثلة التي تُستهَلّ بها مقالة برونو لاطور التي كتبها في العام 1993 يبدوان مألوفَيْن، مألوفَيْن على نحوٍ مُفْرِط: الخوف من أنّ الثقب في طبقة الأوزون آخِذٌ في الاتّساع، ومعه تتعاظم الكارثة ("الجريمة ضدّ الغلاف الجوّيّ" -على نحوِ ما يطلق هو عليها)؛ والعجز أمام انتشار الوباء، ألا وهو الإيدز في تلك الحالة. الغوص في تعريفات لاطور لِما هو حداثيّ مفيد وتعود بنفع عظيم -وإن تميّز النصّ، في بعض الأحيان، بالكثير من التعقيد والتعرّج.
لكن قراءة لاطور تأخذ شكلًا خاصًّا ومشوّقًا عندما تُقرأ مع مقالة يهودا شنهاﭪ. فشنهاﭪ لا يقوم بمَوْضَعة لاطور على المحور الزمكانيّ وشرح ادّعاءاته بوضوح فحسب، بل يعرض في الأساس على ضوئه قراءة طلائعيّة ومسهبة للحالة الصهيونيّة. فالحالة الصهيونيّة ليست متفرّدة، لكنّها تدفع نحو الحافة تزامُنَ التهجين والتطهير الحداثيَّيْن؛ فتضمّ بين جنباتها "تهجينًا" كلاسيكيًّا بين التديُّن والعلمانيّة، وفي الوقت ذاته تشفّر التهجين بمساعدة "التطهير" المتواصل والتشديد على التفريق بين العلمانيّ الحداثيّ أو الغربيّ من جهة، والدينيّ قبل _ الحداثيّ من جهة أخرى.

حتّى بعد 15 عامًا من الأبحاث المكثّفة بشأن الدين والقوميّة والعَلْمنة، ما زالت مقالة شنهاﭪ على درجة عالية من التشويق والتنوير.

قراءة بلاطور وشنهاﭪ في هذه الأزمنة تؤكّد ما قيل كثيرًا بشأن مفارَقات وإشكاليّات "الحداثة" -وهي مفارَقات وإشكاليّات آخِذة في التعاظم.

الانضمام الى القائمة البريدية