ما هي حكاية الثقوب السّوداء؟

البروفيسور أورن هارمان | 08.06.2022 | تصوير: Pixabay

חורים שחורים

الثقب الأسود يولد من الموت. قوّة الجاذبية لكوكب عملاق ينهار إلى داخل نفسه هائلة إلى درجة لا يستطيع الضوء معها الانبعاث منه. ومن هنا جاء اسم هذه الظاهرة. لكن على الرّغم من أنّ الموت مصدرها، فالبحث عن ثقوب سوداء يشكل أحد أكثر الإشارات إثارة للحياة على وجه الكرة الأرضيّة: تشوق البشرية لفهم الكون ومكانها داخله.

 

إلى أين اختفت معلومات الكوْن؟

كانت تلك النظرية النسبية لأينشتاين التي تنبأت بأنّ جسما ذو كتلة مضغوطة بما فيه الكفاية قد يشوّه الحيز –الزمان  كي يخلق ثقبًا أسود. لكنّ الثقب الأسود ينتِج ما يسمّيه علماء الفيزياء" أفق الحدث"-نوعًا من الغلاف الخياليّ الذي يحيط به، ذلك الذي لا تستطيع الأحداث التي تجري عليه أو ما ورائه التأثير على مُشاهِد خارجيّ في الكون. درجة حرارة الإشعاع الذي ينبعث من هناك هي واحدة في المليار كالفين، وعليه لا يمكن تشخيصها ورصدها على نحو مباشر.

ما يعنيه هذا الإشعاع الذي اكتشفه عالم الفيزياء البريطاني ستيفن هوكينغ في العام 1974،  هو تبخر ثقب أسود. على الرغم من ذلك، يبدو أن الإشعاع بحد ذاته لا يحمل أية معلومات حول الثقب الأسود، أي ربما أن المعلومة قد تختفي تدريجيا من الكون. هذا الاحتمال يقوض أحد القوانين الأساسية للفيزياء، وهو قانون حفظ المعلومة، وإذا كان هذا الأمر صحيحا فحري بنا أن نعيد التفكير بكل ما نعرف. على هذا النحو أو ذاك، يؤمن الكثيرون أن تسوية هذه المفارقة سيأتي من خلال الربط بين النظرية النسبية العامة التي تتناول الظواهر الأكبر في الكون، وبين نظرية الحقول الكوانتية  التي تتناول الظواهر الأصغر في الكون. ثمة من يقول أن " النظرية الموحّدة للكل" ستمكن من القيام بذلك مرة واحدة وللأبد. نظرية كهذه ما زالت مفقودة.

 

رؤية ما لا يمكن رؤيته

على الرغم من ذلك تُرصَد الثقوب السوداء في السنوات الأخيرة في السماء: في العام 2016 حصلنا على القرينة الأولى للمزج بين ثقبين أسودين. في العام 2019 جرى التقاط الصورة الأولى لثقب أسود، وفقط مؤخرا جرى اكتشاف ثقب أسود جميل وتصويره في مركز مجرّتنا. يؤمن علماء فيزياء الفضاء أن الحديث يدور عن واحد من مئات الثقوب السوداء في درب التبانة. هذا الاكتشاف يثير الكثير من الدهشة. وقال ستيفين هوكينغ ان لا أحد يستطيع سماعك في الفضاء عندما تصرخ، وفي الثقب الأسود لا أحد يستطيع رؤيتك تختفي. رؤية ما لا يمكن رؤيته يعتبر خيمياءَ تتضوّع البشرية إليها منذ غابر الأزمنة. لكن كيف يحصل كل هذا؟  

في 8.6 سنعرض في فان لير الفيلم الذي حظي بالكثير من الاطراء Black Holes: The Edge of All We Know للمخرج ومؤرخ الفيزياء بيتر غليسون الذي يأخذنا في رحلة مدهشة ومشوّقة مع علماء يسعون إلى سبر أغوار أحد الألغاز الكبيرة التي عرفناها. يرافق غليسون مجموعتين عن قرب. الأولى حول شخصية هوكينغ المثيرة، الذي لا يتحرك جسده إلا بواسطة كرسي العجلات لكن عقله يحلّق في أكثر زوايا الكون والخيال بعدًا. ويسعى هوكينغ وزملائه لإثبات أن الثقوب السوداء لا تبلع الماضي، وذلك من خلال معادلات رياضيّة. المجموعة الثانية التي تعمل في مراصد الكواكب في جميع أنحاء العالم تبني معًا تلسكوبا بحجم الكرة الأرضة لاصطياد الصورة الأولى لثقب أسود.

مجموعتان ترمز واحدة منها إلى القدرة البشرية على النظر إلى الداخل بواسطة الدماغ، وترمز الثانية إلى القدرة على النظر إلى الخارج بواسطة التكنولوجيا. نزعة عقلانية وأخرى تجريبية. مفهومان معرفيّان يتجادل داخلهما الفلاسفة منذ آلاف السنين. أي منهما سيقود إلى أفضل السبل لمعرفة العالم؟

" ثقوب سوداء: رحلة إلى حدود المعرفة" للمخرج بيتر غاليسون هو قصيدة حب للعلم الذي يراجع أسئلة الفلسفة الكبيرة عن كثب، فيسأل ما هي الأمور التي تستطيع الثقوب السوداء تعليمنا  إياها حول  حدود المعرفة، ويكشف في الوقت ذاته على نحو شخصي ومثير للانفعال تشوّق البشر للمعرفة، حتى ما بعد الأمور التي يمكن معرفتها. يختتِم عرض الفيلم برنامج "علوم تتجاوز الحدود"، وهو الموسم الخامس لسلسلة "نتحدّث عن العلوم في القرن الواحد والعشرين".

 

 لمشاهدة جميع محاضرات " العلوم التي تتجاوز الحدود" >

الانضمام الى القائمة البريدية