هل تمكّن وجهة النظر الانثروبولوجيّة من استخلاص تبصّرات جديدة حول التاريخ الصهيوني والفلسطيني، لا سيما حول العلاقات المتبادلة بين المجتمعين؟ ما الذي منحه التاريخ لأنثروبولوجيا المجتمعين الإسرائيليّ والفلسطيني، وما هي ممارسات الذاكرة وسرد التاريخ التي تتحقّق فيهما؟

يعرض كتاب "مفغاشيم" ("لقاءات): تاريخ وأنثروبولوجيا الحيز الإسرائيلي-الفلسطيني منهجية بحثية نقدية ترتكز على اللقاء بين التاريخ، والانثروبوجيا، وعلم الاجتماع، ودراسة الثقافة في الحيز المحلي. في مقابل "النظرة الفوقية عن بعد"، التي تميز جزءًا كبيرا من كتابة التاريخ المحليّ، لا سيما تلك النقدية، تعرض مقالات الكتاب " نظرة من الأسفل وعن قرب" لتنويعة من الفضاءات الاجتماعيّة في الحيز الإسرائيلي-الفلسطيني، ومنها شاطئ البحر، ومطعم تل أبيبي، والغيتو في اللد، و"حيفل لاخيش" (المسمّى الفلسطيني: منطقة الفالوجة-وتضم مجموعة من القرى التي دمرت وهجرت في العام 1948 ومنها عراق المنشية والفالوجة وغيرها-المترجم). دير الأسد، ميناء يافا، وجولات في حيفا. نظرة من الأسفل وعن قرب توجّه أيضًا إلى ممارسات اجتماعية للذاكرة، ومنها تغييب الحاضرة الفلسطينية القائمة حتى العام 1948، وطرائق تمثيل القرى الفلسطينية المجاورة في كيبوتسات "هَشومير هَتسَعير"، وسرد التاريخ من قبل نساء عربيّات بدويات. من خلال إلقاء نظرة عن قرب على هذه الفضاءات، يسعى مؤلّفو المقالات إلى فحص قضايا أكثر اتساعا في دراسة التاريخ، والمجتمعات والثقافات المحلية، نحو تبلور البنية الإثنو-طبقية في إسرائيل؛ والاقتصاد السياسيّ للحكم العسكريّ؛ وتشكّل الحيز الجغرافيّ والاجتماعيّ في إسرائيل؛ والعلاقات بين المسارات السياسيّة والمسارات الاجتماعيّة والثقافيّة؛ والاستحقاقات الاجتماعيّة والثقافيّة لمسارات العولمة والخصخصة؛ وتبلور السرديّات التاريخيّة وأطرِزَة المعرفة. في مقابل " القومية المثوتودولوجيّة"، التي تعرض مجتمعًا قوميا ذا معالم واضحة يقف بقواه الذاتيّة كوحدة التحليل الأساسيّة- (وهو التصوّر الذي يميز غالبية الأبحاث التاريخية حول إسرائيل وفلسطين)، فإن نقطة انطلاق المقالات في هذا الكتاب هي الحيّز المشترك والتاريخ المتداخل الذي تتحقّق فيها مسارات فصل، وعزل و "آخريّة" داخل واقع من التجاور والعلاقات الاجتماعيّة والتصميم المتبادل.

يشكل مؤلف "مفغاشيم" ثمرة نشاط مجموعة من الباحثين والباحثات الذين التقوا في معهد فان لير في القدس في الفترة بين 2011-2012.