الانكسار الذي لم يَكسر إلاّ قليلاً: تاريخ شعب إسرائيل يومه كأمسه
إن خمسة من ألمع الباحثين في تاريخ شعب إسرائيل خلال القرن العشرين وهم: سالو بارون، وبن تسيون دينور، ويتسحاك بير، ويعقوب كاتس، ورفائيل ماهلر – قد بدأوا طريقهم المهني قبل أن اعتلى النازيون سدة الحكم في ألمانيا واستمروا في العمل سنين طويلة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. قام جميعهم بإعادة النظر في الأطر المعرفية (براديم) التاريخية التي بلورها كل واحد منهم في بداية طريقه المهني. إلا أن إعادة النظر هذه لم تفض إلى تبديل التوجّه السابق لأي منهم بصورة جدية، وذلك على الرغم من أن أربعة منهم قد قاموا بالتبشير بضرورة إدخال تغييرات جذرية وعملوا على وضع أرضية بحثية يمكن لها أن تفضي إلى مثل هذه التغييرات. وقد نفى طلابهم كذلك المحرقة من مجالات عملهم حتى أنهم نفوها إلى حد أن تحوّلت إلى مبدأ أول في دراسة تاريخ شعب إسرائيل: “يجب الحفاظ على المحرقة داخل حصار” ومنعها من فرض ظلالها على توجّهنا للماضي اليهودي.
يكمن أحد الجذور المركزية لهذه الظاهرة الغريبة في الرد على تحويل المحرقة في النصف الثاني للقرن العشرين إلى شعار لإخفاق الثقافة الغربية الحديثة. كانت دراسة تاريخ شعب إسرائيل ولا زالت مشروعًا حداثويًا بالأساس: فقد نمت من قلب عمليات العلمنة التي وجدت لها مكانًا بين جموع اليهود في نفس الوقت الذي انتشرت فيه الثقافة الحديثة مما سهّل عملية اندماجهم في المجتمع الأوروبي. وفي أعقاب ذلك، فقد نظر العديد من الباحثين في مجال تاريخ شعب إسرائيل بريبة إلى استخدام بعض الباحثين المنتمين إلى مجالات أكاديمية مغايرة المحرقة النازية بغية الكشف عن الأوجه القاتمة للحداثة. سعى الباحثون في مجال تاريخ شعب إسرائيل إلى اختزال دور المحرقة إلى أبعد حد ممكن في تاريخ شعب إسرائيل في العصر الحديث. من هنا، فقد استمرت الأطر المعرفية الحداثوية التي استُخدمت قبل الحرب العالمية الثانية في طليعة الأطر التي تصف التاريخ اليهودي وتقوم بتحليله على مدار عشرات السنين بعد انطفاء نار هذه الحرب.