التهجير من المدينة: نظرة جنوبشرقيّة
في السنوات الأخيرة، يتّخذ موضوع التهجير والاقتلاع من المدينة حضورًا متزايدًا في العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة. هذا تطوّر مبارك، لكنّ مقاربة نقديّة كلاسيكيّة تسيّطر على البحث في هذا المجال، وتقوم بالأساس على منطق السلب الرأسماليّ وسيرورة الاستطباق المرافقة له، خصوصًا في مدن “الشمالغرب” العالميّ. يدّعي المقال أنّ التهجير والاقتلاع من المدينة، الآخذ في التزايد في مدن العالم، تحوّلا إلى ظواهر بنيويّة تؤطّر المواطنة الحضريّة المعاصرة، وتنبع عن دمج بين أشكال متنوّعة لمنطق بنيويّ—ماديّ، سياسيّ وقانونيّ- وليس فقط عن قوى السوق الرأسماليّ. يشدّد المقال على ضرورة تبنّى مقاربات “جنوبشرقيّة”، أيّ مقاربات تتركّز في ديناميكيّات حضريّة تمتاز بها مجتمعات غير غربيّة، ما سمي في الماضي “مناطق الأطراف العالميّة” أو “العالم الثالث”. تشدّد هذه النظرة على أهميّة التفاعل بين التخطيط الحضريّ، جوانب الهويّة، الجندر، الكولونياليّة والقوميّة، والرأسماليّة (المحليّة والعالميّة). ينتج هذا التفاعل أنواعًا جديدة من الأحياز الرماديّة وفيها أوضاع يسمّيها المقال قابليّة التهجير الحضريّة (urban displaceability)، وهي جزء عضويّ من تجارب الحياة في المدينة. يرسم المقال خريطة لأوضاع التهجير وقابلية التهجير التي تنتج في أنظمة حضريّة في العصر الحالي. ندّعي في المقال أّن التهجير والاقتلاع من المدينة ليسا أحداثًا سياسيّة فحسب ولا نتاجًا لصراعات حضريّة، بل أوضاع بنيويّة تشكّل بنيّة تحتيّة لمواطنة حضريّة في المدينة المعاصرة. يمكّننا هذا التحليل من تشخيص عودة العلاقات (النيو) كولونياليّة إلى قلب المدينة المعاصرة، والوقوق على أهميّة الجنوب والشرق العالميّين كمنظورات إمبريقيّة وأخلاقيّة نقديّة للمجتمع الحضريّ ولتحريك السيرورة وإصلاحها.