الكلب أفضل من الإنسان: اقتفاء أثر كلاب تقصّي الأثر في شرطة الانتداب
أنشأت شرطة الانتداب في فلسطين في سنة 1935 وحدة كلاب لاقتفاء أثر المجرمين. وصلت هذه الوحدة، التي أنشئت في إطار استخلاص العبر من ثورة البراق لسنة 1929، إلى ذروة عملها خلال ثورة الـ36. تستعرض المقالة الأبعاد القضائية والتاريخية والسوسيولوجية لإنشاء وحدة الكلاب وأشكال استخدام كلاب اقتفاء الأثر في فترة الانتداب. نستنتج من خلال استخدام البيّنة الذي تعثر عليها الكلاب في البحث الجنائي، وأحيانًا بوصفها دليلاً وحيدًا، حول استعداد البريطانيّين استخدام أساليب لا تتمتّع بالصدقية تحت مظلة علم الأدلة الجنائية، وخاصة في أوقات الأزمات. يدور الحديث عن بيّنات يصعب بسبب طبيعتها زعزعة صدقيتها وهنا تكمن قوتها. إنَّ استخدام هذه البيّنات في المحاكم في فترة الانتداب تجسّد فشل الجهاز القضائي الثبات في أوقات الأزمات والتحقّق من بيّنات تنتمي إلى هذا النوع بصورة نقدية. كذلك، تجسّد أشكال استخدام وحدة الكلاب كذلك كيفية استغلّت السلطات البريطانية التابوهات الدينية والخرافات بغية إخافة السكّان المحلّيين في فلسطين، وذلك برغم تعهّدها في إطار دورها الرسمي في تحضّر البلد وأهله الذي يقتضي الحدّ من الخرافات في حدود الإمبراطورية واستبدالها بالتفكير العقلاني. يحمل استبدال قصّاصي الأثر المحلّيين بحيوانات معان رمزية: فقد تمّ اختزال قصّاصي الأثر البشريّين لحواسّهم وغرائزهم، وفي نفس الوقت تمّ تنصيب كلاب اقتفاء الأثر بدرجة أعلى من قصّاصي الأثر البشريّين.