ما بعد الضحايا والمصابين: مساهمة علم النفس التحليلي حول الصدمة والشهادة لنقد العنف السياسي

إفرات إيبن تسور
article icon

يمكننا في نهاية القرن العشرين، ذلك القرن المكنّى بـ”قرن الصدمة النفسية”، أن نشخّص التطوّرات الهامة الطارئة على أدبيات التحليل النفسي التي تعنى بالصدمة النفسية، وذلك بتأثير أنماط مختلفة طارئة على خطاب الصدمة النقدي الذي انتعش خارج الحقل العلاج السريري. تميّزت هذه الأنماط الجديدة بمحاولة تطوير العامل الرابط بين المنظور العلاجي وبين سياقاته السياسية والأخذ بالحسبان موازين القوى الاجتماعية التي تؤثّر على سيرورات نفسية وتقوم بتشكيلها. لقد ساعد الربط بين المفهومين، الصدمة النفسية والشهادة (Witnessing)، بصورة خاصة الكاتبات في حقل التحليل النفسي، المنتميات للتيار الذي يولي اهتمامًا خاصًا للسياقات المختلفة، التركيز في العلاج على المظالم التي لم تحظ باعتراف سياسي وبالأبعاد الاجتماعية المنكرة للألم والفقدان على خلفية القمع المستمر.

تعرض المقالة في البداية هذه التطوّرات الهامة، ولاحقًا تتوقّف عند وصف بعض المخاطر الأخلاقية والتحدّيات المنبثقة عن اللقاء فيما بين حقلي التحليل النفسي والسياسة، في ظل الكتابة النقدية على مؤسّسة الشهادة. تعرض هذه المخاطر والصعاب على خلفية قضية معقّدة حازت على اهتمام نقدي قليل نسبيًا ألا وهي شهادة المعتدي والاعتراف الاجتماعي بصدمته. تثير هذه القضية مسائل عديدة وعلى رأسها التخوّف المبرّر بأن الاصغاء لشهادة وألم المعتدي العنيف معناه الإعفاء من المسئولية وإهمال دعم ضحاياه. يتم تمثيل ذلك من خلال التعامل مع جنود إسرائيليّين أُرسلوا، ولا زالوا يُرسلون بالنيابة عن المجتمع، لممارسة العنف السياسي، وهو ذلك العنف الذي يُنتج عند ضحاياه الفلسطينيّين صدمة نفسية دائمة ومستمرة.

يساعد النقاش في تشخيص الفجوة القائمة والمتجدّدة بين الكتابة النقدية خارج الإطار التحليلي وبين الخطاب العلاجي: فبينما تميل الأولى إلى التركيز على البعد الأخلاقي لشهادات المتعدين العنيفين وإدانة التعامل بآلامهم، يقترح الأدب السريري موقفًا من دون إصدار الأحكام. يثير هذا الموقف أحيانًا شعورًا بعدم الراحة، إذ بالرغم من أنه ينطوي على إتاحة سيرورات فهم وتغيير عميقين، فإنه لا يشترط الإصغاء للمعتدي بالتزامه الأخلاقي تجاه ضحيته. تُعرض في نهاية المقالة الفجوة القائمة بين التريّث الممكن في العيادة، وبين السيرورات الممكنة في الحيّز العام، بوصفها دعوة للكاتبات في حقل التحليل النفسي المعاصرات، بالاستمرار والاهتمام بالربط بين هذه الأدبيات، وذلك من أجل المساهمة في الجهود النقدية، والتعامل مع العنف السياسي المثار بصورة دورية بما يشبه العودة القصرية الدائمة.

مقالات اخرى في هذا العدد

No posts found.

الانضمام الى القائمة البريدية