"كيف يمكن أن يكون المرء رئيسًا لعنبر في معسكرات الاعتقال والإبادة النازية (blockalteste) في أوشفيتز والحفاظ على سمات إلهية وإنسانية؟": المنطقة الرمادية في دور القضاء
يقف حدثان قضائيان في قلب هذا المقال: محاكمة إلزه ترنك، التي مثلت أمام القضاء عملاً بالقانون الإسرائيلي محاكمة النازيّين والمتعاونين معهم لعام 1950، بفعل سلوكها حين شغلت منصب رئيسة معبر في معسكر أوشفيتز الثاني (المسمّى: بركناو Birkenau) للاعتقال والإبادة النازية للنساء، وشهادة فيرا ألكسندر، التي شغلت هي الأخرى رئيسة معبر آخر في نفس المعسكر، التي أدلت بها في معرض محاكمة آيخمان. تمثل هاتان المحاكمتان صعوبات في تعاطي القانون الجنائي الليبرالي مع المحرقة بصورة عامة ومع مسألة التعاون بصورة خاصة.
يفحص المقال الحالي سبل التعاطي المختلفة للقانون الجنائي مع ظاهرة التعاون، انطلاقًا من الدمج بين الجوانب القضائية والتاريخية والاجتماعية. في الجانب القضائي، يضع المقال مرآة أمام القانون الجنائي في تعاطيه مع السؤال المركّب حول التعاون عبر تحليل النصوص القضائية. لا يكشف هذا السؤال عن مدى تأثير قواعد القانون والخطاب الجنائي على السيرورة القضائية فحسب، وإنما يكشف عن تأثير العناصر غير القضائية كالأسباب الاجتماعية والمفاهيم الجندرية أيضًا. أما الجانب التاريخي فيعرض الحياة اليومية للنساء في معسكر أوشفيتز الثاني (بركناو) من وجهة نظر المعتقلات اليهوديات “العاديات” والمعتقلات اليهوديات صاحبات المناصب كما تعرضها شهادات قضائية وغير قضائية. وعبر تحليل النصوص، أسعى إلى إعادة النظر في العلاقة بين القانون والمجتمع المحلي من وجهة نظر القانون ومحاكمة النازيّين والمتعاونين معهم، وطرح ادعاء مفاده أن القانون أدّى إلى تقويض هذه العلاقة، وأن هذا التقويض قد ترك آثاره على تعاطي القانون مع المنطقة الرمادية التي تقف مسألة التعاون فيها.