جدار حي وباطش: السيولة ما بين الأنواع وشاعرية الحيوانية لكافكا

نعمة هرئيل
article icon

تكشف شاعرية كافكا، التي تتخطّى الواقع وتشمل أحدثًا غير واقعية بتاتًا، عن مبان اجتماعية عميقة ولهذا تعتبر تمثيلاً واقعيًا جليًا. بصورة مشابهة لذلك، يمكن اعتبار شاعرية الحيوانية كافكا، التي تضم عناصر خيالية تكشف عن مبان اجتماعية عميقة تقع في أساس العلاقة بين الإنسان والحيوان. تقوم المقالة الحالية بالفحص النقدي لعملين لكافكا، يتحدثان بصورة مركزية عن السيولة في الانتقال من جهة البشري إلى الحيواني (قصة “التحوّل” – 1915) ومن جهة الحيواني إلى البشري (وقصة “تقرير لأكاديميا” – 1917). أبطالهما هما الإنسان-الحشرة والقرد-الإنسان، وهما كينونتان عتبيتان (liminal) تسعيان إلى زعزعة إحدى الثنائيات الأساسية جدًا في الثقافة الغربية. الفصل بين الإنسان والحيوان، الذي يعتبر فصلاً ثنائيًا حادًا وهرميًا وطبيعيًا، يمر في هاتين القصتين بعملية تفكيك جذري، ويقترح أنَّ هذا الفصل إنما هو تشكيل ثقافي تبلور من خلال ممارسات سياسة-حيوية تشمل الإقصاء والسجن والعنف. تزعزع هذه السيولة ما بين الأنواع الحدَّ الفاصل الحاد التي يقترحها طغيان منظومة مركزية الإنسان بين الكينونة البشرية وبين كينونة الحيوانات الأخرى. وُجد هذا الحد الفاصل الحاد بهدف تسوية الأنسنة من خلال سلب العناصر الحيوانية من الإنسان، وتأكيد العناصر الحيوانية في الحيوانات من خلال سلب الذاتانية من بقية الحيوانات، وإقصاءها من النظام الاجتماعي وتعطيل التماثل معها. تقف شاعرية الحيوانية، التي تهدم الحدود الفاصلة بين الإنسان وبقية الحيوانات، في مقابل المنظومة الأنثروبولوجية المفترضة في نظرية أغامبين السياسية التي تعتمد بصورة متكرّرة على هذه الحدود الفاصلة. وعليه، تعتبر شاعرية الحيوانية لكافكا تجسيدًا خياليًا سبق النظريات السياسة الحيوانية (zoopolitics) التي تطوّرت في بداية القرن الواحد والعشرين، وتُنتج قراءة هذه النظريات في ضوء شاعرية حديقة الحيوان حيزًا أدبيًا سياسيًا ما بعد مركزية الإنسان التي تعتبر خيالية وحقيقية في آن معًا.

مقالات اخرى في هذا العدد

No posts found.

الانضمام الى القائمة البريدية