حول التغريب والتوطين: تجلّي اللغة العربية واللغة العبرية على لافتات الطرق في الجليل
تقوم المقالة الحالية بفحص التمثيل اللغوي-المرئي للغة العربية واللغة العبرية كما تتجلّيان على لافتات الطرق نتاج أجهزة السلطة الإسرائيلية في منطقة الجليل. في ضوء حقيقة أنَّ الحيّز في إسرائيل يعتبر نتاجًا لبناء مؤسّساتي وطني، وفي إطار موازين القوى القائمة بين الأغلبية والأقلية المسؤولة عن بلورة الوعي السياسي، تُستخدم لافتات الطرق كأداة بالغة القوة بيد الدولة بغية غرس القيم الثقافية والاجتماعية والوطنية القومية للسكّان في إسرائيل. تعتبر لافتات الطرق جزءًا من عملية إنتاج المشهد اللغوي، وباستطاعتها التأثير على القيم والاعتقادات وطرق التفكير لمستخدمي الحيِّز. تعرض المقالة عرضًا منهجيًّا هو الأول من نوعه بشأن الأوجه المختلفة للافتات: موضعة الأسماء العربية والعبرية وترتيبها على اللافتات، ودرجة وضوحها في المشهد، وكيفية كتابتها ونقحرتها (النقل الحرفي للأسماء من لغة أجنبية إلى العربية).
يكشف تحليل هذه الأوجه لمسألة لافتات الطرق في الجليل عن سياسة خطابية تسعى باتجاهين متكاملين: من جانب، تنتج اللافتات إقصاءً حيّزيًا للذاكرة الفلسطينية، كمحاولة لتطويع أو توطين المجتمع الفلسطيني عبر التلاعب بوسائل لغوية، وذلك بغية جرّه إلى استبطان أمثولات السلطة على حساب معجم الأسماء الفلسطينية الغني، إضافة إلى استحداث بلبلة ومحو ملامح المشهد المحيط؛ ومن الجانب الآخر، تفرض اللافتات حضور هوية اللغة العبرية وعالم الأمثولات المرتبط بها بهدف دعم المشروع الصهيوني، وتعزيز الوعي الإقليمي للناطقين بالعبرية وغرس شعور بالانتماء في أفئدتهم، إضافة إلى تعزيز السيطرة الحيّزية. وبالرغم من ذلك، وانسجامًا مع ما يحدث في حالات كولونيالية معقّدة، لا يدور الحديث بتاتًا حول علاقات القوة ذات البُعد الواحد بين المجتمع المسيطِر وبين المجتمع المسيطَر عليه، بين المرسِل والمرسَل إليه. وتكشف المقالة النِّقاب عن الطاقة الكامنة الخفية في القراءات اليومية في الحيِّز وعن التفاوض الديناميكي القائم بين المجموعات المشاركة.