الصور الموجودة في العالم، أجزاء من مشهد تتركّز فيه الأعمال المعروضة هنا: صورة يهود ينظّفون بلاط رصيف في فيّنا، فتيان يهتفون لأدولف هتلر، ساحة المزرعة التي اختبأ فيه تشارلز منسون و”عائلته” في وادي الموت، إطارات قبل إعدام دون محاكمة، استاد أولمبيادة في برلين، برج رادار في قلب چوش دان، رسالة استسلام نابليون – تُصوِّر هذه الصور حيّزًا تاريخيًّا مشتركًا وتستخدم أغراضًا تتوسّط وتبلوّر علاقات اجتماعيّة متينة في ظاهرها. إلّا أنّ الأعمال المعروضة هنا؛ أعمال تريشا دونلي (Donnelly)، وچوستاڤ ميتسچر (Metzger)، كيدي نولاند (Noland)، موشيه نينو (Ninio)، وداڤيد كليربوت (Claerbout) تتموضع بين منظومة الصور الاستعراضيّة المدهشة، التي تتنكّر لعالم محسوس (لكنّها تصبح بديلًا له أقوى منه)، وبين صورة فنيّة تسعى إلى ثقب تلك الصورة التي تملأ المكان، وتهزّ استقرارها واستقرار العلاقات التي تتوسّط بينها، وتحيّدها، بل وتوجّهها ضد نفسها.
ضمن هذا، وبانتقال إلى القرن الواحد والعشرين، تنكشف وتتصادم نقلات زمن مختلفة ببعضها البعض في الأعمال المعروضة هنا، والتي أنتجت بين الأعوام 1976 و2020. نقلات مقبورة تحت تلك الصور الموجودة في العالم أو تختبئ وراءها: سرد أحداث شبه مهووسة (كارثة، حرب، جريمة، قتل)، وبالمقابل إنكار للزمن العابر. دورات الوقت العضويّة أو البيولوجيّة المُنْكَرة، ودورات اقتصاد الحياة اليوميّة، توحّد ظاهريًّا أماكن معيّنة مختلفة وتصطدم بصمت أبديّ موجود خلف كلّ نشاط، ووقت أو مكان. هكذا، يمتدّ الوقت أو يتقلّص في أعمال نينو وكليربوت، أو يغيّر شكله تمامًا في الحيّز كما في عرض دونلي.
مثلما تقف الأعمال الفنيّة المعروضة هنا عند العلاقة بين الصورة الموجودة في العالم بكلّ الأحوال – فيما عدا منظومة الصورة المتنكّرة – وبين الصورة كفنّ، هكذا تمكّن أيضَا من تصوّر موقف وجوديّ (في الحياة) لأنواع نظرات (في المعرض). تتحرّك تلك الصور بين تشاؤم المشاهد أو مشاركته. الزحف إلى داخل – أنشلوس، فيّنا، آذار 1938 لمتسچر يفرض على المشاهد أن يقرّر أين يقف، مُهان أم مُهين؛ أعمال نولاند تحاكم-تُغري المتحركين بينها؛ أولمبيادة كليربوت تحوّل المشاهد إلى غير ضروريّ، وحتّى الفنان نفسه تحوّله إلى شيء عابر مقارنة بالسمة اللانهائيّة؛ ودونلي تُغلق طرق فكّ شيفرة أشيائها عبر التنويم المغناطيسيّ للجمهور.