"لم تكن هذه أيديولوجيا، بل هي خلاصًا للنفس": فردنة عاطفية والامتناع عن تأدية الخدمة العسكرية في إسرائيل
يميل الخطاب السائد إلى تعليل امتناع بعض الشباب الإسرائيليّين عن تأدية الخدمة العسكرية لأسباب شيوع مفاهيم فردانية-مادية مرتبطة بطموحات على صعيد اقتصاد السوق الآخذ بالانتشار سريعًا في العقود الأخيرة. تسعى المقالة الحالية إلى فحص منظومة التسويغات القائمة بين تلك الفئة المنتمية إلى الطبقة الوسطى في إسرائيل التي تمتنع عن تأدية الخدمة العسكرية، والتي تستخدمها بغية إضفاء الشرعية على هذا الفعل، وتقترح المقالة تفسيرات مغايرة تمامًا لما هو سائد بشأن هذه الظاهرة. يتلخّص الطرح المركزي للمقالة في أنَّ عوامل عاطفية داخلية لا عوامل خارجية – وخاصّة مشاعر عدم الملاءمة، والرعب، والغربة من الحلبة العسكرية والنظر إليها بنظرة عبثية – هي العوامل المركزية التي تقف خلف ظاهرة الامتناع عن تأدية الخدمة العسكرية، وهي عملاً شرعيًا من زاوية نظر هذه الفئة من الأشخاص. يستند إضفاء الشرعية هذا إلى ما يُطلق عليه في المقالة الحالية تعبير “الفردانية العاطفية”، وهو موقف عاطفي ومعرفي يقرّ بحقّ الفرد في تحقيق رغباته ومشاعره الدفينة الخاصّة والعمل لمصلحته النفسية حين يواجه تهديدًا فعليًا عليها.
تستند المقالة إلى إجراء مقابلات شخصية عميقة مع 55 امرأة ورجل امتنعوا عن تأدية الخدمة العسكرية. تكشف وجهة نظرهم، المكبوتة حاليًا، عن أنَّ اختيار عدم تأدية الخدمة العسكرية من شأنه التركيز على نقطة وسطية تقع بين الذاتي والأيديولوجي، وصياغة هذا الاختيار بوصفه مقاومةً للعنف الذي يفرضه الجيش على الجندي الفرد في صفوفه، لا على الجهات الخارجية المعرّفة على أنها عدائية فقط. يسعى هذا الموقف إلى زعزعة منظومات فرض التطبيع والتوطين الخاصة بالخدمة العسكرية في إسرائيل.
يُشكِّلُ خطاب إضفاء الشرعية العاطفية لدى الممتنعين عن تأدية الخدمة العسكرية غالبًا لهدف استحضار المصالحة الذاتية مع فعل الرفض لتأدية الخدمة العسكرية، ومن شأنه في الآن معًا أن يفضي إلى مشاعر من الذنب النابعة من اختبار تجربة الهوّة الفاصلة بين الحاجة الذاتية الشخصية وبين الحاجة الجمعية. تكشف منظومة إضفاء الشرعية لدى هذه الفئة من الرافضين لتأدية الخدمة العسكرية، على الرغم من الصُّدوع البادية عليه، عن بُعد هامّ في الديناميكية المتشكِّلة في العلاقة التي تربط الجيش بالمجتمع في إسرائيل، ويقترح الاعتراف بأنَّ واجب التجنيد الإلزامي الشامل يُفضي إلى نتائج متنوّعة على الصعيدين الشخصي والاجتماعي أكثر تنوّعًا ممّا يُعتقد عادة.