التحكّم بشرق القدس في حقبة ما بعد أوسلو
تطرح المقالة الحاليّة ادّعاءً مفاده أنّه إلى جانب استمرار سياسة التمييز والتضييق، نلاحظ أنّه منذ مطلع الألفين عزّزت أجهزة الدولة من تدخّلها في الخدمات وإدارة الحياة المدنية للفلسطينيّين في المدينة. يطلق الكاتب على هذا المستجدّ تعبير “سيرورات التحكّم”. تشير هذه السيرورات إلى تحوّل في العلاقات البلديّة، والتي تميّزت منذ سنة 1967 باستقلال بدرجة كبيرة على الصعيدين الإداريّ والوظيفيّ، في ما يتعلّق بالمؤسّسات والخدمات البلديّة للفلسطينيّين. في مقابل ذلك، نشهد في العقد والنصف الأخيرين علاقة سيطرة في شرق القدس لا تستند إلى أدوات فرض السيادة فحسب، بل إلى قوّة تحكّم “ناعمة” تتجسّد في أدوات إدارة السكّان، وفي حالتنا، يتجسّد ذلك على الصعد الوظيفيّة والخدمات البلديّة أيضًا. تُنتج سيرورات التحكّم في شرق القدس تعلّق الفلسطينيّين بأجهزة الدولة، وبهذا تتعزّز قدرة الدولة على السيطرة على الصعد الوظيفيّة لحياة الفلسطينيّين المدنية. وفي الوقت ذاته، تفرض هذه السيرورات على السكّان الفلسطينيّين والأطراف المشاركة الأخرى، على صعيد البلديّ للفلسطينيّين، قيمًا إداريّة وسلوكيّة تقرّبهم إلى أجهزة التحكّم الإسرائيليّة.
تفحص المقالة تطوّر علاقات التحكّم في شرق القدس عبر منظور تاريخيّ وجيو-سياسيّ، وذلك استنادًا إلى تحليل حالة دراسيّة لتدخّل حكوميّ في الحياة المدينيّة الفلسطينيّة، تتمثّل في خطّة تنظيم شبكة المواصلات العامّة الفلسطينيّة بين السنتين 1998- 2004. أسوة بمنظومات عديدة أخرى في شرق القدس، فقد كانت شبكة المواصلات العامّة بغالبيتها خارج سيطرة ورقابة الدولة، وهو ما يصطلح عليه تعبير “دور بلديّ متدنٍّ”. يحيلنا هذا الاصطلاح إلى تفسير نقديّ لأساليب العمل، والأدوات، والنتائج التي يستخدمها وكلاء الدولة في شرق القدس، وهي مختلفة بغالبيّتها عن المعايير المعتمدة في دولة إسرائيل على صعيد التخطيط والإدارة العامّة. وعليه، فإنّنا أمام حلول “خاصّة” ومتدنّية تعتمدها الدولة في شرق القدس.
ألحق تقطيع الأواصر، بين شرق القدس والضفّة الغربيّة، الأذى بالعديد من الوظائف البلديّة للفلسطينيّين، وأفضى إلى تعزيز سيرورات التحكّم، وسعي الفلسطينيّين إلى ملائمة حيواتهم مع السلطة الإسرائيليّة، كما أدّى إلى تعزيز سيرورات التضييق، والتعامل الكولونياليّ مع شرق القدس.