التاريخ الجديد لجوينت: الحشيش في فلسطين الانتدابية ودولة إسرائيل

تقوم هذه المقالة على بحث ريادي حول الحشيش في فلسطين/إسرائيل في فترة الانتداب البريطاني. تسعى المقالة إلى فحص كيفية تعريف وإدراك “قضية الحشيش” والخطاب الذي تطوّر حولها في فلسطين الانتدابية، ولاحقًا في دولة إسرائيل، والأهم كيف ولماذا حُمِّلت الحشيش الدلالات المتنوّعة والمختلفة، والتي لا تمّت بصلة فعلية مع المادة ذاتها ولا مع تأثيراتها النفسية المنشّطة. تفحص المقالة جملة المعارف حول الحشيش التي وصلت إلى البلاد عبر سلسلة “النظريات المهاجرة”، أي المعرفة بأنواعها المختلفة التي تطوّرت وتحوّلت إلى معرفة رائجة في أماكن أخرى في العالم وبعد ذلك توطّنت في مكان آخر جديد حيث استوعبت. ظهرت المعارف الأولى بشأن الحشيش خلال اللقاء الكولونيالي مع سكان آسيا وأفريقيا، حيث كان استخدام الحشيش فيها جزءًا لا يتجزّأ من ثقافة التسلية والطقوس والعلاج الطبي بينهم. وقد عزيت إلى الحشيش، في خضم هذه اللقاء، أهمية قصوى في إطار عملية عرقنة الشعوب الأصلانية المختلفة وتهميشها. لقد تمّ ملاءمة المعارف بشأن القنّب الهندي، التي انتقلت إلى مناطق مختلفة واستوعبت في مواقع جديدة، للسياقات المحلّية والتراتبية الاجتماعية المحلّية، وأضافت عليها تلك الميزات المحلّية تصديقات محلّية بشأن صلاحيتها. لم تساهم المعارف بشأن الحشيش في إقصاء الفئات السكانية المستهلكة لها فحسب، بل قامت بقولبتها ضمن طبقة اجتماعية دنيا، كما واستخدمت كمصدر إضافي، من بين جملة المصادر العديدة الأخرى، للتخويف منهم وتحويل أسهم الكراهية نحوهم. إنَّ جملة المعارف بشأن الحشيش التي وصلت من المستوطنات والدول الأوروبية-الأمريكية قد لطّخت سمعة الأقليات والمجموعات الهامشية المستخدمة لهذه المادة ، وحين وصلت هذه المعارف إلى البلاد استخدمت ضد فئة المستهلكين المركزية لهذه المادة في فلسطين/إسرائيل: بداية ضد الفلسطينيّين وبقية السكان العرب في البلاد المجاورة، ولاحقًا بعد 1948 استعملت كذلك ضد المهاجرين اليهود من البلاد العربية والإسلامية. بالرغم من غياب شهادات تفضي إلى استعمال مفرط للحشيش بين هاتين الفئتين، وبالرغم من كون قضية المخدرات في البلاد كانت ظاهرة هامشية نسبيًا، إلاَّ أنَّ هذه المعارف قد اندمجت في عملية استحداث دلالات تسعى بصورة خاصة إلى عزل الفئات “الشرقية” وتجريمها وتحريم اعتماد عادات وأنماط تحمل سمات “عربية”.