هربرت ماركوزه: حول الهوية اليهودية، والمحرقة ودولة إسرائيل
يركّز هذا المقال على عرض وجهات نظر ومواقف هربرت ماركوزه بخصوص الهوية اليهودية، والتّاريخ اليهودي (وبخاصة المحرقة) ودولة إسرائيل.
لم يتناول ماركوزه في أبحاثه وفكره “القضية اليهودية” إلّا بشكل هامشي جدًا، على الرغم من حقيقة أنه لم يُخف بتاتًا أصوله اليهودية، ولكنّه في نفس الوقت لم يرَ في هذه الحقيقة الموضوعية مسوِّغًا أو تعليلاً حصريًا أو حاسمًا لتحديد موقفه من قضايا مختلفة – ولا حتى في قضايا التاريخ العالمي التي تتعلّق باليهود على وجه التحديد. من الناحية العامة والإيجابية، فقد طمح في تكوين “مملكة الحرية” الماركسية، أو على الأقل كان لديه طموح أن يفهم بشكلٍ علمي لماذا فشلت على مرّ التاريخ الحديث الثورةُ الحقيقية المرّة تلو الأخرى في تحرير الإنسان. إلا أنَّ هاجسه المباشر والرئيس، الفكري والاجتماعي-السياسي، كان منصبًّا على الصراع ضدّ ظهور نظام الرُّعب القمعي من جديد بما في ذلك النّضال ضدّ تكرار إمكانية حدوث الإبادة الجماعية.
دعم ماركوزه قيام دولة إسرائيل وحقّها في الدفاع عن نفسها. وكان تبريرُه لذلك محرقة يهود أوروبا تحديدًا، أي فكرة أن تكون دولة إسرائيل مكانًا للجوء والملاذ الآمن لليهود من الاضطهاد والقهر. إلا أنَّ هذا الموقف المبدئي لم يمنعه من نقد السياسة الإسرائيلية بشكل لاذع منذ حرب حزيران 1967 وما بعدها. وقد كان نقده موجَّهًا تجاه كون إسرائيل من وجهة نظره رافضة للسَّلام، وكذلك تجاه موقفها من العرب الفلسطينيّين مواطني إسرائيل وسكان المناطق المحتلَّة. وقد ادَّعى أنَّ حالة الفلسطينيّين “متدنّية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وأنهم يعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية”، وأنَّ السياسةَ الإسرائيلية تُبدي “ميولاً ونزعة عنصرية وقومية”. وقد اعتبر أنّ سياسات حكومات إسرائيل ونتائجها المحتملة هي أخطر تهديد على استمرار وجود الدولة اليهودية.