أدّى الفنان فنحاس كوهن غان في النصف الأول من السبعينيات سلسلة من “النشاطات” الفنية شكّلت مساهمة هامة في تحوّل الفنون الاستعراضية في إسرائيل، نعني الانتقال من إنتاج الفنون المتجسّدة في شيء/منتج نهائي وأزلي إلى نشاط إبداعي متعلّق بالزمان والمكان والتركيز على الفاعل المبدع. إن إحدى الخصائص الاستعراضية الجلية والمتميزة في نشاطات كوهن غان تكمن في استخدامه نمط “الغرس”: استدخاله عنصرًا غريبًا في محيط محدّد (بيئي، ثقافي، جمالي) كمحاولة مستحيلة من طرفه لدمجه بداخله. إن أعمال كوهن غان، المهاجر من المغرب، “اللاجئ”، تعكس سيرته الذاتية، وهي لا تمثّل روح العصر على صعيد الاصطلاحات وطمس الأوجه المادية للفنون فحسب بل تشكّل بصورة خاصة منظومة تمنح الفنان فرصة انتقال مركز الثقل في أعماله الإبداعية تدريجيًا إلى التعامل مع ذاته ومع هويته في سياقات تاريخية وثقافية وسياسية. إن عمليات الغرس غير المجدية تعتبر تمثيلاً لتجربة الغربة التي تخفق بين أضلاع كوهن غان وفشل صهره في بوتقة الهوية الإسرائيلية وتجسيدها في عمل إبداعي. يحلّل الكاتب أعمال كوهن غان عبر منظور يجمع بين دراسة العمل الاستعراضي والخطاب الشرقي النقدي، وذلك في سياق التحوّل الطارئ على الفنون الاستعراضية في إسرائيل. يسعى الكاتب إلى صياغة وتحليل المنهجية المميّزة القائمة في صلب نشاطات الفنان، ويقترح الكاتب قراءة اجتماعية سياسية لها وذلك في ضوء الفرض (الجلي والخفي) لمسألة الهوية وفي ضوء الظروف التاريخية المحدّدة (إسرائيل بين حربي حزيران 1967 ورمضان 1973) وخروجها إلى النور كذلك في معرض نهضة متجدّدة لخطاب الطوباوية.
نشاطات غير مجدية: أغراس فنّية والهوية والطوباوية في أعمال الفنان بنحاس كوهن غان المبكّرة
درور هراري