"عليّ أن أفتّش بها، أن أفتّش بها": الأنثروبوسين، الأدب وجماليّة القمامة
ينطلق هذا المقال من فرضيّة أنّ القمامة هي مادّة مهمّة لفهم العصر الذي نعيش فيه، ومن أنّ التفكير بها مهم من منظور جماليّ تحديدًا. في هذا العصر، الذي ينتج كمًا هائلا من القمامة لدرجة لم يعد بالإمكان إبعادها وإخفاؤها، تجتاح القمامة الأدب والفنّ. ادعائي هو أنّه في عصر القمامة، في عصر إلانتاجيّة التي لا تتوقّف، ينفتق ذوق جماليّ بدا لنا حتّى فترة ليست ببعيدة مفهومًا ضمنًا ولا مصدر له. من خلال هذا الانفتاق تظهر عدّة أسئلة: ما الجميل؟ ما المهدوم؟ ما القذر والمنفّر؟ وما هي، حقًا، القمامة؟
نقطة انطلاق المقال هي أنّ التوجه إلى القمامة يمكّن من الانعتاق المضاعف – من خطاب النظافة والجماليات الحديثة، وكذلك من الخطاب البيئيّ الفنتازيّ عن الطبيعة الخضراء والعذراء. يوصف “اليهوديّ القذر” كمن يناقض التصوّرات الجماليّة وكمغترب عن الطبيعة والحياة، ولذلك فإنّ التشبيه الأدبيّ لليهوديّ يمكّن من بحث اللقاء بين خطاب النظافة والطبيعة. في هذا المقال، أبحث في نصوص من فترات مختلفة في الأدب العبريّ وضعت القمامة في مركزها – قصّة من النصّ القروسطويّ بين الملك والراهب، وإلى جانبه نصوص من الأدب الإسرائيليّ المعاصر: قصتان لراحيل حلفي وكتاب في عين القطّ لحڤيڤا بدايا. يمكّن المنظور الواسع على مكانة القمامة في الأدب العبريّ من طرح نظريّة كتابة القمامة والنظر إلى تعاظم الاهتمام في القمامة بالأدب العبريّ منذ سنوات الثمانين.