استنادًا إلى وثائق أرشيفية، تتناول المقالة قضية توجّه علم الآثار الإسرائيلي نحو القرى الفلسطينية المفرّغة من سكّانها التي أقيمت غالبيتها على مواقع أثرية. تلخّصت السياسة الحكومية بهدم جميع القرى و”تفريغها”، وقد تجاهلت مؤسّسة علماء الآثار في الخمسينيات من هذا الفعل الهدّام، ولم يعلم علماء الآثار مسبّقًا في حينه عن هذا الهدم المخطّط له ولم تكن لهم القدرة للتأثير. وعلى هذا النحو، أقدم الصندوق القومي وبمبادرة تيدي كوليك إلى هدم قرية قالونيا في سنة 1959، وذلك بغية طمس مشاهد آثار القرية أمام السائحين التي من شأنها أن تثير أسئلة غير مرغوب بها. تعتمد مناقشة الكاتبان على وثيقة نادرة منسيّة تعود إلى سنة 1964 اقترح فيها أبراهام إيتان، بوصفه طالبًا جامعيًا شابًا في حينه وتحوّل لاحقًا إلى مدير قسم الآثار، إلى إجراء بحث هدم القرى العربية المفرّغة من سكّانها كأساس مقارن لفهم الهدم الذي يتكشّف في الحفريات الأثرية. نقل يغئال يدين، مدرّس أبراهام إيتان، الاقتراح إلى دائرة علم الآثار. إلاّ أن الموضوع كان محرّمًا في حينه ولذلك لم تتم مناقشته. وشُرع في سنة 1965 بما يطلق عليه تعبير “مسح القرى”، مسح من خلاله علماء الآثار بجرد سريع جدًا لمائة قرية قبل هدمها بيد مديرية أراضي إسرائيل. أضفى علماء الآثار الشرعية على هذا الهدم، وقد فصلوا من خلال مجهر “علمي” بين الآثار القديمة المحمية عملاً بالقانون (أي، الآثار التي تعود إلى ما قبل 1700 سنة) وبين آثار لاحقة كان مصيرها الاندثار. إلاّ أن مثل هذا الفصل لا يمكن له أن يكون دقيقًا. توقّفت عمليات الهدم مؤقّتًا خلال حرب 1967، ولكنه “توجّه” إلى منطقة اللطرون وعشرات القرى المفرّغة من أهاليها في الجولان. تتمتّع مواقع هذه القرى بنظرة متجدّدة في العقود الأخيرة: خفتت الذاكرة، ولم تعد البيوت قائمة، وأُزيلت القرى العربية وتركت وراءها المواقع وكأنها مواقع حيادية يمكن الحفر بها ودراستها. وكذلك تمّ وضع اليد على المشاهد وعرضها بوصفها مشاهد رومانسية “توراتية”، كما هو الحال مع موقع قرية صطاف الواقعة على جبال القدس المحيطة. توضح المقالة كيف أن علماء الآثار الإسرائيلي أنفسهم، الذين يتمتّعون بأفضل الخبرات العلمية، قد عملوا في مسارين متناقضين: فمن جهة، اعتمدوا على الدراسة والنشر “لماضينا” البعيد، ولكنه ماضٍ قريب من القلب؛ ومن جهة ثانية، اعتمدوا تجاهل وإخفاء ماضٍ “آخر”، قريب جدًا زمنيًا ولكنه بعيد من القلب.
"الهدم القابل للقياس": علم الآثار الإسرائيلي والقرى الفلسطينية المفرّغة من سكّانها
جدعون سليماني وراز كلتر