مقيمون بين أبناء جلدتهم: فرض القانون الإسرائيلي في المحاكم العسكرية في المناطق المحتلّة
هنالك اتجاه آخذ بالاتّساع في الجهاز القضائي العسكري القائم في الأراضي المحتلّة، يسعى إلى فرض القانون الإسرائيلي، وذلك بالرغم من حقيقة أنَّ هذه المناطق لم تضم رسميًا أبدًا إلى دولة إسرائيل. يدّعي أولئك الذين يضفون الشرعية على هذا الاتجاه بأنَّ تبنّي القانون الإسرائيلي، الذي يتضمّن معايير متقدّمة نسبيًا في مجال حقوق الإنسان، يدفع قدمًا صيانة حقوق المتّهمين الماثلين أمام المحاكم العسكرية. ويسعى التحليل المقترح نحو الإشارة إلى أنَّ هذا الادعاء بشأن الدفع قدمًا لحقوق الإنسان إنما هو ادعاء جاء ليغطي على عملية مركّبة أكثر. فعليًا، فإنَّ القانون الإسرائيلي غير متاح بتاتًا أمام المتّهمين وأمام غالبية محاميهم الفلسطينيّين الذين يمثّلونهم في المحاكم العسكرية، ولهذا فإنَّ فرض سريانه يحرمهم من الدفاع القضائي المجدي وتمسّ حقوق المتّهمين بدرجات ليس أقل مما هي تنفعهم. إنَّ المتّهمين ومحاميهم مقصون تمامًا من الخطاب المنعش والتنويري القائم بين صفوف القضاة العسكريّين في المناطق المحتلّة، ذلك الخطاب الذي يسعى عمليًا للانتماء إلى مجتمع القضاء الإسرائيلي والحصول على شرعية منه. إنَّ القضاة العسكريّين الموكلون بالحكم على أبناء شعب آخر يستمدون أرواحهم من إقامتهم بين أبناء جلدتهم.
إنَّ سريان مفعول القانون الإسرائيلي في المحاكم العسكرية في الأراضي المحتلّة يعتبر جزءًا من عملية أوسع ويشير إلى إدراك بأنَّ الاحتلال في الأراضي المحتلّة لم يعد حالة مؤقتة وعابرة. تتتبّع المقالة خطوات تطوّر هذه الظاهرة، التي بدأت كردّ فعل للانتفاضة الأولى وينطوي استمرارها على اندثار الآمال المعلّقة باتّفاقيات أوسلو. إنَّ سريان القانون هذا يعتبر جزءًا من حركة واسعة تتّجه نحو الضمّ الفعلي للأراضي المحتلّة واستحداث جهاز موحّد يخضع إلى السيطرة الإسرائيلية. إنَّ السريان الجزئي وغير الرسمي للقانون الإسرائيلي بواسطة قرارات حكم تتّخذ في المحاكم العسكرية يتيح الفرصة أمام منظومة علاقات مميّزة، شبه كولونيالية، تربط بين المحاكم الإسرائيلية المدنية وتلك العسكرية في الأراضي المحتلّة. تصون منظومة العلاقات هذه القضاء المعتمد في الأراضي المحتلّة بوصفه قضاءً خارجيًا ضمن القضاء الإسرائيلي، وبالرغم من ذلك فإنَّ القضاء الإسرائيلي يحتويه وتحتضنه.