"لا مكان للسياسة في الحارة": فنون جماهيرية في حي على خط التماس في القدس – ما بين السياسي والاجتماعي
تقوم المقالة الحالية بتوثيق وتحليل نقطة لقاء جمعت بين أعضاء المديرية الجماهيرية في حي المصرارة في القدس مع أعضاء جمعية “مسلاله” (Muslala)، التي تتشكّل من مجموعة فنانين تعمل في الحيّز العام للحي. تمثّلت نقطة انطلاق هذا اللقاء/التماس بين المجموعتين في التعاون، ولكن سرعان ما تدهورت العلاقات إلى حدّ العمل بصورة حازمة وإصرار كبير لإخراج مجموعة الفنانين من الحي. خلافًا للمعلومات المتراكمة في حقل دراسات المدن، التي تفيد بأن مجموعات الفنانين التي تنشط في الحيّز العام يعتبرون وكلاء للتغيير ويطلق عليه تعبير “التجدّد المديني”، فإن الأحداث الموثّقة في المقالة الحالية تستدعينا إلى تفسير نشاط باء بالفشل. لقد استعنت بتعبيرين لحنة أرندت بغية تحليل مآلات هذا النشاط: الفعل السياسي/الاجتماعي، والعمل في المجال العام. يسعى الفعل السياسي بين جموع الأشخاص إلى التدخّل في التنوّع الاجتماعي. وتخضع آثار الفعل السياسي لتأويلات الجمهور ومن شأنها أن تنتهك النظام الاجتماعي القائم. أما الفعل الاجتماعي، في مقابل ذلك، فإنه يسعى إلى التسوية، إذ إنه يستند إلى لغة اجتماعية قائمة ويهدف إلى تطبيع وتأمين الوضع الاجتماعي القائم. يدّعي الكاتب أنَّ مجموعة الفنانين سعت إلى أن تنشط على المستويين “الاجتماعي” و”السياسي” في الآن معًا: إذ سعت عبر نشاطها السياسي إلى استحداث “حوار” و”نقطة لقاء”، وفق اصطلاحها، مع الفلسطيني المقيم في الطرف الشرقي لحي المصرارة. سعى أعضاء المجموعة إلى إعادة فتح التنوّع الحيّزي من جديد إلى حدّ إمكان الفعل عليه. وسعوا، في ذات الوقت، إلى تشكيل فعلهم هذا بوصفه فعلاً “اجتماعيًا” و”اجتماعيًا محليًا” (وفق اصطلاحاتهم) يرتكز إلى تحالفهم مع سكّان الحي اليهود المقيمين فيه منذ زمن بعيد. تجاهلت مجموعة الفنانين التهديد الاجتماعي الصادر عن نشاطهم السياسي. اعترضت المديرية الجماهيرية في حي المصرارة بصورة صارمة على السعي نحو زعزعة النظام القائم والتعامل مع مسألة التنوّع في السياق الفلسطيني المحلّي. “اعتقدنا أنهم سينشطون في حقل الفنون لا في السياسة”، كما جاء على لسان أعضاء المديرية، وبهذا فقد عبّروا عمليًا عن الجدلية التي تشير إليها أرندت بين الاجتماعي والسياسي. إنَّ جميع محاولات أعضاء مجموعة الفنانين لتقديم أنفسهم أن كمجموعة اجتماعية وسياسية في ذات الوقت قد أفضت إلى إثارة مشاعر من الخديعة والتهديد بين ممثلي سكّان الحي اليهود المقيمين فيه منذ زمن بعيد. ومنذ أن غابت فيها الثقة ولم يبق هنالك أي مجال للمسامحة ولا للائتمان – استُبدلت قوة الفعل بالعنف.