المهرجان: احتجاجات في مجتمع بدون معارضة
طرحّت احتجاجات صيف 2011 في إسرائيل فرصًا جديدةً للعمل السياسي، وخلقت فضاءات ديمقراطية بديلة كما ومنحت شرعية جزئية لاحتجاجات موازية لمجموعات أكثر راديكالية. مع ذلك، فإنها لم تخلق معارضة اقتصادية سياسية فعلية واختارت خيانة القيم الديمقراطية. إحدى الحقائق البارزة للعيان هي أنَّ هذه الاحتجاجات حظيت بإجماع قومي منقطع النظير: فقد أيّدها 85-90% في الوسط اليهودي، بما في ذلك شخصيات مرموقة في القطاع الاقتصادي، ووزراء وأرباب الصناعة. إنَّ كلّ إجماع، بما في ذلك الإجماع حول الاحتجاجات التي هي موضوع هذا المقال، يميل بطبيعته إلى إخفاء وطمس الخلافات السياسية والأيديولوجية والإثنية. لقد تحقّق هذا الإجماع بواسطة اعتماد “الابتعاد الاستراتيجي عن التسييس” الإشكالي والذي تضمّن: (1) تجاهل التوجّهات القوية جدًا المناهضة للديمقراطية التي شهدها النظام في إسرائيل منذ نشأته (توسيع مجال حالة الطوارئ، وتجزئة قانون المواطنة، وسنّ قوانين عنصرية بذريعة حماية الدولة من أعدائها)؛ (2) خطاب قومي-جمهوري استحقاقراطي عديم اللون رفض الاقتصاد السياسي المجزّأ في إسرائيل على أساس إثني، أو قومي أو إثني جندري؛ (3) خيانة القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية ووضعها ضمن إطار القضايا السياسية التي تنتمي إلى القضايا التي يناضل من أجلها “اليسار”.
على نحو نظري وعملي، فإن الاحتجاجات قد جرت على غرار نموذج “مهرجان” باختين. ونعني ذلك المهرجان الذي يشتمل على إشارات باطنية ويسمح بالتسييس المؤقّت للواقع عبر تبادل الأدوار، والاستهزاء من الهرمية ونظرة ازدراء نحو كبار المسؤولين في النظام، والذي من شأنه أن يخرج عن نطاق السيطرة. مع ذلك، فإن كفاءته محدودة نظرًا لأنه ينتهي عند نهاية اليوم حين يعود المشاركون فيه إلى منازلهم. وفي سياقات الليبرالية الجديدة، المتعدّدة الأصوات كما في الحالة الإسرائيلية، يتحوّل المهرجان إلى نشاط زائد يمنح شرعية للتطوّرات المناهضة للديمقراطية والتي لا تصب في صالحها.