شيَّد الخطاب الصهيوني خلال السنين صورة “الجندي الجيّد”: هو مقاتل إنساني وأخلاقي بالرغم من مشاركته في إلحاق الأذى بالآخرين ومحاولته إلى تحجيم هذا الأذى إلاّ أنه يدفع ثمنًا نفسيًا على الصعيد الشخصي. لقد ساعدت هذه الصورة الثقافية الجنود الإسرائيليّين المنتمين إلى مجموعات مهيمنة في المجتمع للتعامل مع مشاعر الذنب والشرور القائمة في أساسها، في أعقاب مشاركتهم في أعمال عنيفة في إطار خدمتهم العسكرية، وذلك عبر انفصام شخصياتهم وإسقاطها على جنود آخرين الذين لطالما يوصفون على أنهم يستمتعون بالتنكيل وممارسة العنف. يقترح كاتبا المقالة نقاشًا يعتمد منظور التحليل النفسي حول السيرورات النفسية التي تنطوي عليها الخدمة العسكرية في مواجهة مجتمع مدني في المناطق الفلسطينية المحتلّة، ويركّز الكاتبان على أزمة وهم المقاتل الإنساني، أي التآكل التدريجي لهذه الصورة الثقافية في الخطاب العام في إسرائيل في السنوات الأخيرة. اعتمادًا على مفاهيم أخلاقية قائمة في صلب نظريات جاك لاكان، يولي الكاتبان أهمية كبيرة للموقع الذي يحتلّه الجنود في القانون الذي يسعون إلى تمثيله. تكمن وظيفة القانون بنظر لاكان بتنظيم المسافة المناسبة الفاصلة بين الذات وبين الحقيقي الموضوعي، وبالمقابل فإن غياب هذه المسافة ينطوي على خطر الوقوع في شرك الاستمتاع البالغ الذي يتضمّن طاقة كامنة هدّامة. إلاّ أن القانون المعتَمد في المناطق الفلسطينية المحتلّة يعتبر قانونًا شاذًّا وتعسّفيًا يستند إلى التمييز ويمنح الجنودَ سلطات مبالغ فيها في مواجهة السكّان المحلّيين، وذلك في إطار موازين قوى غير معهودة في مجتمعات تعتمد المساواة والديمقراطية. يدّعي الكاتبان أن شكل تأثير ممارسة العنف في إطار الخدمة العسكرية على الجنود غير متعلّقة بمواقفهم الذهنية من الصراع الذي يتكشّف في الخدمة العسكرية فحسب، كما تشير الأبحاث النفسية السابقة، وإنما متعلّقة بتجربة التمتّع وتأنيب الضمير والتي ليست بالضرورة تجربة واعية. يقوم الكاتبان بتشخيص ثلاثة أصناف مركزية من مثل هذا التمتّع، والتي تحدّ سوية وفق ادّعائهم من قدرة الجنود لاستعمال وهم المقاتل الإنساني. إن الانفعال المربك المثار لدى الجنود يدفعهم باتجاه السلوك الشاذ بالرغم من الجهود النفسية التي يبذلونها بغية الابتعاد عن ذلك. خلافًا لنتائج الأبحاث النفسية السابقة، فإن الاتجاه الفكري الذي تؤكّد عليه المقالة الحالية هي الاعتماد على القواسم المشتركة بين جميع فئات الجنود المختلفة التي تسهر على إدارة نظام الاحتلال، وهي قواسم تتغذّى جميعها من القوى العنيفة القائمة في صلب وظائف الجنود في مثل هذه الحالة حتى وإنْ اختلفت مواقفهم الواعية وتمسّكوا بأسس مهنية خلال أداء وظائفهم.
"الجندي الجيد"، الانفعال والقانون: قراءة من منظور التحليل النفسي تزعزع صورة الجندي الإنساني
إفرات ابن تسور وأوري هدار