الصَّدمة والدولة "في الطابق السفلي" للأديب أهرون أبيلفيلد
تدور أغلب أحداث قصّة الأديب الإسرائيلي أهرون أبيلفيلد* “في الطابق السفلي” (المنشورة ضمن مجموعته دخان) داخل بيت فلسطيني اندثر في أعقاب حرب 1948. تسعى المقالة إلى فحص الدلالات المنبعثة من حقيقة أنَّ القصَّة اختارت موضعة الناجين من المحرقة على أطلال فلسطينية. كان من المفترض أن تساهم جهود الدولة الرامية إلى محو ذاكرة النكبة عبر هدم البيت الفلسطيني في انضمام الناجين من المحرقة إلى الهوية الإسرائيلية، إلاَّ أنَّ هذا المسعى قد فشل، وأنَّ موضعة ذاكرة المحرقة على أطلال ذاكرة النكبة الفلسطينية يُنتج مقاومة بشأن سلطة الهوية الإسرائيلية. إنَّ الحديث من الأطراف يمنح أبيلفيلد فرصة الابتعاد عن التناول اللّحوح للدولة الصهيونية بشأن صدمة المحرقة (“من المحرقة إلى الانبعاث”)، وبذلك فإنه يمنح، ربما بالرغم عنه، صوتًا لمصير الفلسطيني في النكبة. أما سبب ذلك فيكمن في امتناع أبيلفيلد المهاجر والناجي من هول المحرقة في تجنيدها ووضع ذاكرتها ضمن إطار الهوية الحصرية للمنتمين إلى الدولة القومية اليهودية، أي المهاجرين الذين من المفترض أن يتحوّلوا بين ليلة وضحاها إلى سكّان أصلانيّين، يؤدّي به إلى استحضار غير مقصود لذاكرة النكبة الفلسطينية، وذلك من دون أن يشعر بتهديد على هوية الدولة اليهودية وعلى شرعية وجودها. إنَّ الصدمتيْن – تلك الخاصّة بالمحرقة وتلك الخاصّة بالنكبة – لا تتقابلان عند أبيلفيلد ولهذا فإنهما لا تتنافسان الواحدة بالأخرى.
إنَّ دخول أبيلفيلد إلى الأدب الإسرائيلي قد فرض عليه مسؤولية كلِّ مَن التحق بأدب السيادة الخاص بـ”جيل الدولة”، ذلك الأدب الذي تميّز بانفصام عميق بذاتية كتّابها بوصفهم أدباء إسرائيليّين. وكذلك فرضت عليه في أعقاب ذلك مسؤولية مزدوجة: فمن جانب واحد، فرض عليه التجاوب في إطار السيادة الإسرائيلية مع مطلب تمثيل مأساة الضحية اليهودية، وطُلب منه، من الجانب الآخر، بوصفه إسرائيليًا، تحمّل مسؤولية الجاني المسؤول عن وقوع النكبة. إنَّ دخول أبيلفيلد إلى بانثيون الأدب الإسرائيلي المعتمد يعتبر فعلاً جليًا للاستدعاء (Interpellation) لأنَّ ذلك الدخول تتفرّع منه أيضًا المطالبة بتحمّل المسؤولية. وعليه، فإنَّ انفصام الفاعل السيادي ينعكس في انفصام في مكانته على صعيد المسؤولية: من جهة، فهو مُطالب بالاستجابة للمطالبة الموجّهة نحوه لتمثيل صدمة الضحية اليهودية في إطار السيادة الإسرائيلية، ومطلوب منه، من الجانب الآخر، بوصفه إسرائيليًا، تحمّل مسؤولية صدمة الجاني بفعل ارتكابه النكبة.
* أهرون أبيلفيلد من مواليد 1932، من قرية تقع في منطقة بوكوفينا على الحدود الرومانية.