أماكن مقدسة في عصر العلمنة

ليلاخ كارسانتي، عيدو هَراري | 25.07.2021 | تصوير: Unsplash

מקומות קדושים בעידן של חילון, כנסיית הקבר

كيف بمقدور الأماكن المقدسة المساعدة في محاربة الأزمة المناخيّة؟ وأي منهما يتحلى بمزيد من القدسية: مدخل للعالم الآخر أم عتبة باب؟ وما هي القدسية التي يبحث عنها سيّاح يابانيون في كنيسة كاثوليكية في برشلونة؟ ما الذي يعنيه مكان مقدس في عصر العولمة؟

عقدت خلال كانون الأول 2020 في معهد فان لير ورشة دراسية دولية عبر الانترنت حول موضوع الأماكن المقدسة في عصر العولمة وما بعد العلمانية. شارك في الورشة نحو 40 باحثا وباحثة من عشر دول، وأجروا نقاشات غنيّة ومتنوعة حول مسألة مكانة المكان المقدس وحول مفهوم القدسية بعامّة في عالمنا المعاصر. ألقيت المحاضرات الرئيسية من قبل ثلاثة من الباحثين المرموقين في مجال الديانات: البروفيسور روبرت أورسي (Orsi)، والبروفيسور خوزيه كازانوفا (Casanova)، والبروفيسورة كيم نوت (Knott).

 

القدسية أمام الكنيست

لكن ما الذي يعنيه مصطلح "ما بعد العلمانية"؟ وما هو مغزى القدسية في هذا السياق؟ يمكن لمثال محليّ أن يلقي الضوء على ذلك.

في إحدى المظاهرات في القدس في الصيف الفائت وجّهت الأضواء والكاميرات إلى متظاهرة تسلّقت على تمثال الشمعدان الذي يقع أمام الكنيست. هذه المتظاهرة هي عاملة اجتماعية، وقد كانت تمسك بلافتة تدعم نضال زملائها في المهنة، لكن الاهتمام العام انصب على حقيقة أن القسم العلوي من جسمها كان عاريا تماما. الالتقاء بين الجسم الأنثوي العاري وبين تمثال الشمعدان هو لقاء بين مفاهيم مختلفة للقدسية. من ناحية، الصدمة من خطوة اعتُبرت تدنيسا للقدسية الدينية والسياسية للرمز؛ ومن الناحية الثانية –التوجه الذي ينعكس في أقوال المتظاهرة نفسها (على موقع "هأتار هخي حام بغيهينوم"): "قوة جسد الأنثى، والقدرة التي لا تحتمل للناس على تشويه مغزاه، فهم يصرخون لمجرّد التعرّي على الشمعدان". الرد الأول يعتَبر الجسم المتعري تحقيرا، بينما يعتبره الردّ الثاني قوة. النظرة إلى الشمعدان كغرض مقدس تُحفَظ في الحالتين، لكن مدلول القدسية يتغير وفق المتحدث/ة. هذا التغيير يعكس المكانة المركبة للقدسية في عالم ما بعد الحداثة أكثر من أي شرح نظري.

من هنا، يسعى مفهوم "ما بعد الحداثة" لتحدّي السردية التي تسير في خط مستقيم، وبحسبها تسير البشرية في مسار تقدم ذو اتجاه واحد من الدين نحو العلمنة (كما يبدو من تواصل قدسية الشمعدان كرمز قوميّ حتى في السياق القومي)، وهو يتحدى أيضا التقسيمة الثنائية بين "الدين" و "العلمنة" (كما يبدو من خلال عزو القدسية للجسد العاري). وفقا لذلك، يُنظَر للتدين والعلمانية كمفهومين متداخلين، ويُضبطان، بمفاهيم كثيرة، الواحدَ مقابل الآخر. وإذا كان الأمر كذلك، ففي العالم الذي لا يوجد فيه مكان مقدس أو إنه معلمن على نحو مطلق، وفي الوقت ذاته يمكن نسب القدسية، في سياق محلي أو عالمي، لكل مكان (بدءا من البيت الخاص وحتى مؤسسات الدين والدولة)، فما الذي يحوّل مكانا ما إلى مكان مقدس، ولمن؟

 

أنواع مختلفة من القدسية

خصصت البروفيسورة كيم نوط محاضرتها للحدود التي تحدّد أن المكان مقدس، ووصفت المكان المقدس بأنه الحد الذي يفصل بين مفاهيم متضادة، لكنه بقيامه بذلك فهو يوحّد بينها. يمكن للمكان المقدس أن يكون مدخلا لمقبرة قديمة في لندن تفرق بين هذا العالم والعالم الآخر؛ التشريع في زمن الكورونا الذي يفصل بين ما هو قانوني وما هو غير قانوني، ويحد من التجمّعات الدينية ويقدس القانون كمندوب للصحة؛ أو عتبة البيت التي هي بمثابة حد مقدس في فترة الكورونا، ويفصل بين الحيّز المحمي والوباء المتفشي. على الرغم من ذلك فعندما نتجاوز حدا مقدسا (وجميع هذه الحدود يجري بالفعل تجاوزها) فإن الدافع لتجاوز الحد هو مقدس في الكثير من المرات.

استمرارا لمحاضرة نوط، يتفحّص البروفيسور خوزيه كازانوفا المكان المقدس كنقطة التقاء لأنواع كثيرة من القدسية. بواسطة فحص تاريخ المواقع المقدسة في العالم، يسأل كازانوفا: ماذا حدث لعلاقات الدين والدولة في مسارات العولمة؟ هل يتحتم على الحج أن يمارَس لأسباب دينية؟ وكيف يمكن لموقع أن يكون محليا على نحو صريح، ورمزا للعولمة في الوقت ذاته؟ يموضع كازانوفا في محاضرته المكان المقدس كمكان يجمع في داخله بين البدني والإيديولوجي، وبين العلماني والديني، وبين الديني والقومي، وبقيامه بذلك يتحدّى هذه التقسيمات الثنائية.

يربط البروفيسور روبرت أورسي النقاش حول الأماكن المقدسة بالنقاش الراهن حول الأزمة المناخيّة. من ناحية، تهدد الظواهر الطبيعية المتطرفة التي تتولد على ضوء الأزمة أماكن مقدسة يتعرض الكثير منها لخطر ملموس للغاية. من ناحية ثانية، تشكل القدسية المنسوبة لها قوة هائلة تدفع الناس للمحافظة عليها وإعادة ترميمها وبنائها مجددا. بمساعدة هذا التبصر يدرس أورسي الدور الأخلاقي والبيئي والعملي الذي تشغله الأماكن المقدسة في أزمة المناخ. ويقول أنّ الناس لطالما توجهت إلى الآلهة في فترات الأزمات، لا سيّما عند وقوع كوارث طبيعية، لكن ربما التوجه للقدسية في هذا الوقت قد يمنع الكوارث الطبيعية. بكلمات أخرى، هل الاهتمام الهائل للمحافظة على الأماكن المقدسة والاعتناء بها قد يوقظنا للتعامل على نحو مماثل مع الطبيعة التي من حولنا؟

الانضمام الى القائمة البريدية