الحياة بين الضوء والظلام

هدار هيخط | 10.01.2023 | تصوير: Pexels 

ליל כל הקדושים

في هذه الفترة التي هي ذروة الشتاء، حيث تأخذ ساعات الضوء بالتراجع وتتكدّر الغيوم في السماء، تُحيي ثقافات عديدة في العالم أعيادا مختلفة قديمة، كعيد الحانوكا (الأنوار) وعيد الميلاد، وأعيادا حديثة كعيد الكوانزا. كل واحد من هذه الأعياد يتعامل بطريقة مختلفة مع الظلمة الآخذة بالتعاظم، ويستخدم الضوء والنار بطريقته الخاصة من أجل طرد الظلمة. لكن ما الذي يقف من خلف الصراع بين الضوء والعتمة؟ وكيف يُمكننا العيش بين النور والظلام من التواصل مع أماكن داخلية في ذواتنا؟

 

الضوء مقابل الظلام في العصور القديمة

في العصور القديمة كان هناك يومان للانقلاب، وهما يومان في السنة يتوقف فيهما الليل أو النهار عن القِصَر ويبدأ بالطول على حساب زميله، وقد جرى التعامل معهما كمناسبتين تذوب فيهما الفروق بين العالَم البشري وعالم الجنّ والشياطين، وعليه فإنّ الجن والأرواح التي تأخذ من العتمة مسكنا لها قد تغزو عالم الضوء التابع للبشر. عيد جميع القديسين (هالويين) هو أحد الأمثلة المعروفة لعيد يُحيي هذه الضبابية وهذه الإذابة للحدود: الملابس التنكرية ترمز إلى الأرواح والجنّ الذين يغزون عالم البشر، وما عادة توزيع الحلوى على المارة إلا محاولة لإرضاء هذه الأرواح كي لا تؤذي أبناء المنزل. استعان المحتفلون بالضوء لحماية أنفسهم من الجن وردعهم، فوضعوا الشموع خارج أبواب منازلهم داخل القرع الذي يُنار طوال الليل بأشكال مخيفة جرى نحتها فيه. هذه العادات تعود إلى أفكار مشابهة في صفوف الشعوب القلطية والغيلية (شعوب أوروبا الغربية القديمة) وجيرانها. الظلمة في هذا العيد هي العدو؛ والضوء هو الوسيلة التي يستخدمها البشر لدحرها.

أحد الأعياد الأخرى الذي يجسّد صراع الإنسان ضد الظلمة، ويواصل تقاليد وثنية، لا سيّما التصور الروماني-الوثني للضوء هو عيد الميلاد. الخامس والعشرين من كانون الأول هو يوم ولادة يسوع بحسب الأعراف المسيحية، وهو أقصر يوم في التقويم الميلاديّ. في هذا اليوم-الذي يبدو أنه يشكل يوم انتصار الظلام-اختار الرومان في العصور القديمة الاحتفال بـ" يوم ولادة الشمس التي لا تهزَم"، على شرف انتصارات الإمبراطورية على أعدائها. عشاء عيد الميلاد يشكل استمرارا لاحتفالات الباخوسية لدى الرومان، وعادة توزيع الهدايا على أفراد الأسرة تشكّل هي الأخرى استمرارا للتقاليد الرومانية. الاحتفالات الوثنية الرومانية والاحتفالات بمولد المسيح تعزز قوة الإنسان مقابل الظلام، إن كان في المعركة التي تدور على المستوى المادي للواقع أم على مستواه الثيولوجي. القدرة على دحر قوى الشر والظلام قائمة لدى كل إنسان.

 

شمعدان الستينيّات (حنوكيا) الحديث

في ستينيّات القرن العشرين تأسس في الولايات المتحدة عيد شتائي جديد وضوء جديد: الكوانزا (Kwanzaa) الذي تقام الاحتفالات به في الفترة بين السادس والعشرين من كانون الأول وحتى الأول من كانون الثاني. في السنوات الصاخبة لنضالات حركة حقوق المواطن في الولايات المتحدة الأمريكية جرى تأسيس الكوانزا كبديل لعيد الميلاد "الأبيض" وتحول إلى مصدر فخر للجالية الأفرو-أمريكية. هذه الكلمة مشتقة من اللغة السواحيلية وتعني "البواكير"-عادات أعياد الحصاد في دول أفريقيا جرى إحضارها إلى الشتاء الأمريكي في سبيل إضاءة فترة صعبة ومعتمة. مؤسس العيد هو د. موالنا كارينغا، وقد أدرج فيه طقسا جديدا وهو إنارة الشموع. وعلى غرار الشمعدان اليهودي يقوم المحتفلون بإنارة شمعة واحدة في كل يوم من أيام الأسبوع (سبع شمعات بالمجموع)، وكل منها تمثل واحدا من مبادئ التراث الأفريقي: الوحدة، وحق تقرير المصير، والعمل المشترك، والاقتصاد التشاركي، والإيمان، والابداع، وتنمية المجتمعات المحلية. يضيف هذا العيد بعدا جديدا للصراع بين الضوء والظلام: الضوء يوحد المجتمع المحلي؛ والظلام هنا هو الآخر، الذي يعرّف الحدود من حوله. حفل إنارة الشموع في عيد الكوانزا يشكل محورا يمكّن الإنسانَ العادي من التواصل مع شيء أكبر ألا هو ماضي وحاضر ومستقبل المجتمع المحليّ.

חג הקאוונזה
عيد الكوانزا. تصوير: Askar Abayev, Pexels

الكشف عن ضوء الشمعة على الملأ

الخوف من الظلام أم قوة الضوء؟ الخوف ممن يتربص في الخارج في الحلكة، أم التماسك الداخلي؟ الأعياد المختلفة في أرجاء العالم تعرض عددا من الموديلات الأساسية للتّعامل مع ظلمة الشتاء. ما هي طريقة عيد الحانوكا؟ عندما تناقش الـ" ﭼمارا" (جزء من التلمود) في "ماسيخت شابات" جوهر عيد الحانوكا فهي تتحدث عن  انتصار الحشمونائيين على اليونانيين، وعن اعجوبة قنديل الزيت الصغير الذي بقي مشتعلا لمدة ثمانية أيام متواصلة، لكن تمرد الحشمونائيين استمر لبضع سنوات بعد الاستيلاء المجدد على المعبد، أي أن هذا الحدث لم يحظى بأهمية بحد ذاته، بل لكونه شكّل نقطة أولى من نقاط الأمل، ضوء أول في آخر نفق العقوبات اليونانية.

الاختيار بالاحتفال بالعيد لمدة ثمانية أيام يعزّز مكوّن الضوء المتعاظم أكثر فأكثر، ويرتكز على أعجوبة قنديل الزيت الذي يضمّ في الواقع اعجوبتين منفصلتين: الأولى هي العثور على قنديل الزيت الصغير الطاهر داخل المعبد المدنّس والنجس، والثاني هو الزيت داخل هذا القنديل الصغير الذي كان يفترض فيه أن يكفي ليوم واحد فقط، لكنه كان كافيا لسبعة أيام إضافية. هنا أيضا يمكن ملاحظة أن عيد الحانوكا مترسخ في نقطة ضوء صغيرة تستخدم كنقطة بداية لضوء كبير يأتي بعدها.

على المستوى العملي عندما ناقش التلمود إنارة الشموع في الحانوكا، حدد أن الفرض هو "شمعة شخص وبيته"، أي شمعة واحدة ووحيدة فقط في كل بيت في كل يوم من أيام الحانوكا، لكنه يضيف في الوقت ذاته عشرات الشمعات الأخرى على الشمعة الوحيدة: إنها لعادة حسنة أن ينير كلّ واحد شمعة تخصه، والأكثر تدقيقا هو إضافة شمعة في كل يوم من أيام العيد. على هذا المنوال تضاء شمعة في اليوم الأول، وشمعتان في اليوم الثاني، وصولا إلى ثماني شمعات في اليوم الأخير من العيد. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوقت لأضاءه الشموع هو عند حلول الظلام، لكن الهلاخاه تحدد بعدم جواز استخدام ضوء الشموع من أجل إنارة البيت، سيان كان ضوء الشموع خافتا أم ساطعا، فعلى نور شموع الحانوكا أن تنضم إلى ضوء آخر، ولا تستطيع إضاءة البيت بنفسها.

أعياد الشتاء في العصور القديمة تخرج إلى الظلام وتواجهه في عقر داره؛ أما العيد الحديث "كوانزا" فيختار إبعاد الظلام من خلال تعزيز النور من الداخل عبر التكاتف المجتمعي. في المقابل فإن الاختيار الذي يقع في صلب عيد الحانوكا للتركيز على الضوء الأول الصغير يعترف بحتميّة العتمة من حولنا. عندما نقوم بمواجهة الضوء في الداخل مع الظلمة في الخارج فإننا نضع حتما بينهما حدا واضحا. في المقابل فإن نور عيد الحانوكا يخترق جدران البيت إلى الخارج.

الانضمام الى القائمة البريدية