فجوات جندريّة في السياسة

حانه هيرتسوغ | 05.04.2021 | تصوير: فيرا وايزمان

ורה וייצמן, בחירות ראשונות

انتخابات رابعة على الأبواب ترافقها فجوات غير آخذة في الانحسار في حقل السياسة. هذه الفجوات تتماشى مع الاتجاهات التي ظهرت في الكتاب الذي أصدرناه هذا العام – "فجوات جندريّة في السياسة في إسرائيل"، وحرّرته ميخال شامير، وحانه هيرتسوغ، ونعومي حزّان. تعرض حانه هيرتسوغ في هذه المقالة المقتضبة الفجوة التي جرى فحصها في ثلاثة أبعاد مركزية: البعد الأوّل هو درجة تمثيل النساء في الكنيست والحكومة، والثاني هو الفروقات في المواقف بين الرّجال والنساء في قضايا تقع على جدول الاعمال الاجتماعيّ-السياسيّ، والثالث هو الصوت الذي ندلي به في صندوق الاقتراع.

من المهمّ أن نذكّر بأنّ النساء لم يحظين بحقّ التصويت حتّى مطلع القرن العشرين، وقد جرى انتزاع هذا الحقّ بعد نضال متواصل شنّته الكثير من النساء في أرجاء العالم، بما في ذلك في إسرائيل في فترة "الييشوف" (1920–1926). وبعد تحصيل هذا الحقّ بدأنا نشهد ارتفاعًا تدريجيًا في تمثيل النساء في المؤسّسات المنتخبة. في إسرائيل ما زالت النساء يشكلن ثلث النّواب المنتخبين. وبسبب الصوابية السياسيّة يجري ضمّ النساء إلى القوائم، لكنّ يُدفَع بهن نحو المواقع المتدنية ، ولا ينجحن بعادة في الوصول إلى البرلمان. تمثيل النساء حول طاولة الحكومة شهد بعض التحسّن، لكنه ما زال بعيدًا عن التحوّلات الدراماتيكيّة التي تشهدها أوروبا، وحتى الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، ودول غير غربية أيضًا.

تُظهر نتائج الأبحاث في الديمقراطيات الغربية أنّ النساء قد صوّتن في الماضي للأحزاب اليمينيّة – المحافِظة أكثر من الرجال، وتعَرّف هذا الظاهرة في الأدبيات بأنها "فجوة جندرية تقليديّة"، بينما تتجسّد "لفجوة الجندريّة الحديثة" التي بدأت في سبعينيّات القرن الماضي في نزوع النساء نحو التيارات اليسارية أكثر من الرجال. هذه التغييرات مردّها عدد من العوامل المجتمعة وهي: انخراط النساء في سوق العمل، والارتفاع الملحوظ في تحصيلهنّ العلميّ، والتغييرات في بنية العائلة وفي القيم الاجتماعيّة المركزيّة. على الرغم من ذلك ترافق هذه التغييرات تغييرات مجندرة في الفضاءات العامّة. أسوة بذلك يلاحَظ أنّ النساء مستقلات أكثر في سلوكهن السياسيّ وثمة اتساع في وعيهنّ النسويّ.

يُظهر مؤشر المساواة الجندريّة الذي يعدّه مشروع "مُساويات" ("شافوت") أنّ الفجوة الجندرية في جميع مجالات الحياة، باستثناء التحصيل العلميّ، لم تردَم بعد. كلّ هذه الأمور تفسّر الدعم الكبير للنّساء للمواقف الاجتماعيّة التي تتبناها الأحزاب اليساريّة. تظهر الاستطلاعات في إسرائيل أن النساء يملن في القضايا الاقتصادية-الاجتماعية إلى اليسار أكثر من الرجال، ويقفن على يمين الرجال في قضايا الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. الفروقات ليست كبيرة لكنّها قائمة.

ظهرت فجوة بارزة في أنماط التصويت في انتخابات العام 2009 عندما كانت تسيپي ليفني مرشحة لرئاسة الحكومة، ولم تتمحور المعركة الانتخابية في الأحزاب وبرامجها السياسية بل بمن تزعّمها: "تسيبي أو بيبي"، وعندها طرح الليكود شعار "الوظيفة أكبر من حجمها". الحملة ضد ليفني وضعت علامات استفهام حول قدراتها القيادية ومدى ملاءمتها للوظيفة، ورافقها نوع من الاستهتار الواضح بها كامرأة من قبَل منافسيها السياسيين، وكذلك من قبل الاعلام الذي سلّط الضوء على الملابس التي ترتديها، وعلى لون شعرها، ومقارنتها بالطّفلة، وكلّ الأمور التي أوصلت رسالة مفادها أنها "امرأة أوّلا وقبل كل شيء". وتساءل السياسيون هل سيكون بمقدورها الرد على الهاتف "الأحمر" الذي قد يأتي من واشنطن في منتصف الليل. وعلى الرغم من أنّ الدعم الذي حصلت عليه ليفني من النّساء كان أكبر من الدّعم الذي حصلت عليه من الرجال إلا أنّها لم تحصل على دعم كاف لإحداث تغيير ملحوظ. تعريف الحقل السياسيّ بأنّه ساحة معركة يقودها الرجال مترسّخ في أعماق هيمنة الصراع الإسرائيليّ-الفلسطيني، وفي مركزيّة الجيش كمصدر لتجنيد الزّعامات السياسيّة.

تسيبي ليفني، رئيسة حزب "كاديما"، 2009. تصوير: ساندي طيفرسون، شبّان من أجل تسيبي ليفني

ما زالت بعض الأحزاب الإسرائيلية تقصي النساء، إن كان في أنظمتها الداخلية أم في ممارساتها العملية. وعلى الرغم من أنّ المحكمة العليا صادقت على اتفاقيّة تسوية في التماس قدمته عشر منظّمات نسائية (ومن بينها منظمة "نِفحاروت" التي تضمّ نساء حاريديات) ضد "أغودات يسرائيل"، وأمرت بمحو البند الذي يمنع انتخاب النساء من النظام الداخلي للحزب، لكنه ما زال يُمنَع دخول النّساء إلى القائمة. مسارات التديّن والفصل الجندريّ آخذة بالاتساع في الحيز العام، وتترافق مع اللامبالاة، والصّمت، والتّعاون من قبل مندوبي الجمهور في الكنيست والسّلطات المحليّة مع هذا الانتهاك لحقّ النساء في المساواة.

في النهاية، لا يمكن في هذه الأيام تجاهل أزمة الكورونا، إذ وضع هذا الوباء أمامنا مرآة تشير إلى عمق اقتران الحلبة السياسية والجماهيرية بالرجال والرجولة، إذ تقرَّر في الخطوط الأساسيّة للحكومة التي أقيمت في آذار 2020 إقامة طاقم (كابينيت) طوارئ لمعالجة الكورونا. أقيم هذا الطاقم لكنه لم يضم أية امرأة في البداية، وكذلك الأمر بالنسبة لمجلس الأمن القومي الذي لم يضم أية امرأة في طواقم التخطيط لاستراتيجية الخروج من الأزمة، وتطلب ضمّهن الالتماس إلى المحكمة العليا.

ثمّة مفارقة معيّنة في حقيقة أنّ أزمة الكورونا التي فاقمت وضع النساء قد خلقت شروطا جديدة وفرصا للاعتراف بالمعارف التي تمخّضت عن تجارب النساء، ومن خلال المعارف التي أنتَجْنها عبر سنوات من النشاط الجماهيري، وكذلك في فترة الكورونا. لكن هل جرى استخدام هذه المعارف؟ وهل تمثّل القوائم التي تتنافس للمرة الرابعة خلال عامين وجهات النظر هذه؟

إذا أردتنّ فحص الفجوة الجندرية، فتعداد الرؤوس ليس كاف البتّة، بل ثمة حاجة لإدماج التفكير الجندري والتعريف المجدّد لـ"السياسيّ". وكما يظهر مشروع "هي تعرف" فالفجوة الجندرية في هذه القضية ما زالت كبيرة.

 

لقراءة المزيد من التقارير في موضوع الجندر – رأي: يوم *النساء* العالمي، المساواة الجندري في زمن الكورونا، لِمَ نعْمَل على مكافحة العنف إذا كان بالإمكان التحدّث عن الأمر؟

لمزيد من المعلومات حول النهوض بالمساواة الجندرية نوصي بمشاهدة محاضرات أجريت في المعهد حول موضوع النسوية والجندر.

الانضمام الى القائمة البريدية