مطلوب: شركاء وشريكات درب

هوديا ليف | 10.09.2025 | تصوير: Pixabay
דרושים.ות שותפים לדרך

"إعادة التفكير في المعرفة القابلة للتعميم: نظرة من الأسفل" كان الاسم الرسمي، وإلى جانبه ظهر اسم صغير، مفعم بالعاطفة، أشبه بعنوان فرعي مكثّف: ورشة شركاء وشريكات الدرب. تحت سقف هذين العنوانين، اجتمعنا — رجالًا ونساءً من المؤسسات الأكاديمية، ونشطاء من البلاد ومن أنحاء العالم — على امتداد أربعة أيام من رحلة إسرائيلية تتقصّى تحديات الحياة المشتركة. الانشغال بالحياة المشتركة ليس أمرًا استثنائيًا في المشهدين المحلي والعالمي، لكن هدفنا هذه المرة تمثّل في تطوير فكر جديد، يرتكز على التعلم من الأسفل إلى الأعلى، ويعترف بمفاهيم وتصورات حياتية لا تحمل فيها كلمات مثل "تسامح"، "تنوع"، و"حياة مشتركة" شحنات معياريّة ليبرالية.

ركّزت جولات الورشة على ثلاث حالات اختباريّة: التوتّرات بين الحاريديم والمجتمعات المحليّة الأخرى في أشدود، ومسيرة الفخر والمعارضة التي شهدتها في القدس، ونضال العرب البدو في قرية الفرعة في النقب من أجل انتزاع الاعتراف والحقوق. ضمّت كل واحدة من الجولات لقاءات مع شخصيّات متنوّعة، من أبناء وبنات المكان، ووافقوا -مشكورين-على تقاسم وجهة نظرهم حول الحالة المطروحة. وعلى الرغم من أنّنا سعينا إلى الاستماع إلى مواقفهم والتعرّف إلى تصوّراتهم الشخصيّة، فقد كان من الواضح — لهم ولنا — أنّ حضورهم يشكّل تمثيلًا للمجتمع المحليّ أي للجماعة، لا لأنفسهم فقط. ومع ذلك، ارتأى جميعهم استهلال المحادثة بقصّة من الحياة الشخصيّة.

لم يتولّد لديّ انطباعٌ في هذه اللقاءات أنّ أيًّا منهم اعتبر قصّةَ حياته الخاصّة شهادةً على العام، أو أنّها تعكس طبيعةَ المجتمع الذي يعيش فيه. لقد فسّرتُ الاستخدامَ الخطابيَّ المؤثّرَ في الحكاية الشخصيّة بأنّه طريقةٌ لإيصالِ رسالةٍ معيّنة: الواقعُ الاجتماعيُّ الذي عرضوه علينا، نحن الغرباء، يشكّل محصّلةً مباشرةً لاختيارٍ فعّالٍ للتحرّكِ والفعل، وإسماعِ الصوت، ودفعِ الآخرين إلى الانضمام. وهذا يعني، في نظرهم، أنّ الواقعَ الذي نعرفه اليوم، وبالرغم من تحدّياته التي يُنظر إليها من الخارج، قابلٌ للتغيير. وعلى الرغم من أنّ الكثيرَ ممّن التقينا معهم منخرطون في ريادةِ الأعمالِ المجتمعيّةِ أو أنّهم قادةٌ محلّيّون، لا يتعامل أيٌّ منهم مع نفسه على أنّه فردٌ يعمل بمفرده. المجتمعُ المحلّيُّ كان حاضرًا على الدوام، ولا يزال حاضرًا اليوم، ويعملون معه، ومن أجله، وفيه.

متى لا يكون الشخصيّ سياسيًا؟

فكّرت بهذا الأمر بمزيد من التعمّق عندما أصغيت لأقوال د. عاطف أبو عجاج الموجعة. التقينا في اليوم الأخير من الورشة، عندما زرنا المدرسة الجديدة في الفرعة، وهي في حقيقة الأمر مجموعة من الكرڤانات المكيّفة، يركض حولها أطفال صغار تحت أشعة الشمس الحارقة، ومن حولهم مربّون ومربّيات مدفوعون بالشعور بأن عملهم يحمل في طيّاته رسالة مهمة. وقد كان من الصعب العثور على أي وجه شبه بين هذه المدرسة المتواضعة وجامعة بن غوريون التي يدرّس فيها عاطف تلاميذه. تطرّق د. أبو عجاج أكثر من مرة إلى الخروج من بيته في الكسيفة إلى بئر السبع كخطوة ذات دلالة عميقة بالنسبة له. الرجوع إلى البيت في كل يوم يجسّد حياة في عالمين متوازيين، ويجسّد التحديات التي ترافق التنقّل المتواصل بينهما.

عندما قدّم نفسه، قال د. عاطف أبو عجاج ما يلي: "أحمل بطاقتيْ هُويّة — واحدة زرقاء، وأخرى قبليّة"، و"أنا لا أتصرّف كفرد مستقل، بل أعمل ضمن جماعة". هذه الشهادات تلخّص حكايته: فلكي يمارس مواطنته، بما يترتّب عليها من حقوق وواجبات، فهو مرتبط بالعلاقة بينه وبين دولة إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ العلاقة بينه وبين الدولة، باعتباره مواطنًا عاديًّا يحترم القانون — ليست رهنًا به فقط، بل تتشكّل كذلك من خلال علاقات الدولة مع المجتمع المحلّي الذي يعيش فيه، وفيه يربّي أبناءه.

طرح د. عجاج على مسامعنا ادّعاء جسّد هذا الأمر تجسيدًا جيّدًا، ومفاده أنّ ضعف القيادة التقليدية في المجتمعات البدوية مردّه محدودية قدرة القائد على حشد الآخرين من ورائه، لا سيما عندما لا تكون الأمور المادية لأعضاء المجتمع المحلي في أحسن أحوالها. حدّثنا الدكتور عن تقوّض الهياكل الاجتماعيّة في المجتمع المحلي على ضوء مساعي أفراده الاندماج في نهج الحياة الحديث، وعن الضّعف الذي ألمّ بالقوة السيادية والسلطوية للقيادة البدويّة. على خلفية هذه التحوّلات، فسّر غضبه تجاه السياسة الإسرائيلية التي تفرض القانون بطريقة تكون فيها "حاضرة وغائبة" في الوقت ذاته، الأمر الذي يخلق برأيه فراغًا قياديًّا.

اختيار نهج حياتي اعتيادي "يحترم القانون" من قبل سكان تتميّز علاقتهم بالدولة بالضبابية والغموض بحكم هُويتهم الجماعية، هو اختيار شخصي أكثر من كونه اختيارًا سياسيًّا. وليس لأن هذا الاختيار لا يؤثّر على العلاقات بين المجتمع البدوي ودولة إسرائيل، بل لأن التأطير السياسي قد فُرض عليه من البداية.بصرف النظر عن نوع مواطنتهم، يواجه جميع سكان القرى غير المعترف بها استجابة محدودة ومتشابهة لاحتياجاتهم. "السياسي" في هذه المعادلة هو متغيّر ثابت؛ وقدرة "الشخصي" و"المدني" على التأثير فيه صعبة، لا بل مستحيلة. كسيفة، التي أصبحت مجلسًا محلّيًّا في العام 1996، تشكّل مثالًا جيّدًا على ذلك، وتوفّر صورة مرآة لقرية الفرعة التي حصلت على اعتراف رسمي، لكن هذا الاعتراف لم يُترجم على أرض الواقع إطلاقًا. وجود بنى تحتيّة مدينيّة تتيح الحياة ليس كافيًا عندما يعاني الجيران من غيابها، بينما يستشري العنف في أرجاء النقب، ولا يميّز بين دم وآخر، وبين شخص وآخر.

هذه السردية توفّر تفسيرًا للواقع الذي نرصده في قرية الفرعة، لكنها لا توفّر ذريعةً لعدم تحمّل المسؤولية. في الوقت ذاته، لا توفّر أيضًا ذريعةً للإجرام والعنف المستشريَين. بين النظرة التفسيرية التي عرضها الدكتور أبو عجاج — لنفسه ولنا — وبين تحقيق رؤياه المتمثّلة في مجتمع محلّي مزدهر، يحافظ على هويّته القبلية وعلى هويّته المدنية — ثمة فجوة لا يستطيع أبو عجاج ردمها، لا كعضو في المجتمع المحلي، ولا كمواطن، ولا كباحث اجتماعي.

דרושים.ות שותפים לדרך


شدُّ الحبل من طرفيه

الفجوة التي قضّت مضجع أبو عجاج قضّت مضجعي في اليوم السابق خلال لقائنا مع أوري بانكي في القدس. بعد مقتل ابنته شيرا (للتوضيح: قُتلت شيرا عندما كانت في سن الخامسة عشرة طعنًا بسكين شاب حريدي خلال مشاركتها في مسيرة الفخر في القدس في العام 2015)، حوّل بانكي مسألة رأب صدع المجتمع الإسرائيلي إلى مشروع العمر. وهو يؤمن أنّ العمل الدؤوب لمكافحة التقطّب والانقسام في المجتمع بمقدوره منع حصول حالة العنف التالية. اللقاء معه كان بمثابة درس في المواطنة الديمقراطية — الليبرالية، إذ تحدّث بانكي حول مسؤوليتنا الشخصية بأن نعتمد التسامح في سلوكنا الواحد تجاه الآخر، وحول مسؤوليتنا الجماعية، وقال إنّنا متعلّقون بالآخرين، لكنّنا نؤثّر عليهم في الوقت ذاته.

إنّ تبنّي موقف سياسيّ، مثلُه كمثل الجذب بالحبل: فكلّما جذبنا الحبل أكثر من طرفَيه، يزداد خطر التمزّق والفرقة. لكن إذا أرخينا الحبل تمامًا، لن تتبقّى لدينا أطراف نمسك بها.التوازنات والكوابح ليست حكرًا على السلطة فقط، بل تشكّل جزءًا من حياتنا المشتركة في مجتمع ديمقراطيّ يتميّز بالتنوّع. ثمّة على الدوام من ينزعون إلى تبنّي العنف، دون الخوف من استخدام سُبُل متطرّفة لجذب الحبل نحو الاتجاه الذي يرونه صحيحًا. لذا، حريٌّ بنا — نحن الذين نحترم القانون — أن نتبنّى التسامح السياسيّ، حتّى تجاه مجموعات تتبنّى مواقف معاكسة لمواقفنا. مسؤوليّتنا ليست شخصيّة فقط، بل مجموعاتيّة أيضًا؛ فكلّ مجموعة مطالَبة بالمحافظة على حدود قطاعها، وعدم تشجيع أفراد متطرّفين داخلها على العمل بوسائل غير مشروعة باسمها أو لصالحها.

لم يتطرّق بانكي خلال الوقت القصير الذي تحدّث فيه معنا إلى قوّة القيادات السياسيّة، بل شدّد على قوّة كلّ مجتمع محلّي بأن يضع لنفسه حدودًا أخلاقيّة ومعياريّة. يرفض بانكي الخضوع لثقافة تُضفي الشرعيّة على التقطّب والانقسام والعنف، وعوضًا عن ذلك يبذل أقصى جهده للتثقيف، والتعليم، والتدرّب بنفسه — كعلمانيّ، وملحد، وليبراليّ — على التسامح تجاه الآخرين. فهو يعلم أنّ قاتل ابنته كان فردًا واحدًا، ويؤمن أنّ هذا الفرد لا يُمثّل مجموعة، على الرغم من أنّ تنمية فرد كهذا تحتاج إلى حاضنة، لكنّه عقد العزم على التأثير عليها، وأداته لهذا الغرض هي الحوار المتسامح وتعزيز مبادئ الديمقراطيّة الليبراليّة من جذورها.

نشاط بانكي يدلّ على نظريّة التغيير التي يتبنّاها: فرد واحد في البداية، ومن ثمّ الجميع. وينطلق من فرضيّة مفادها أنّه كلّما فكّكنا المجموعة الغاضبة إلى مجموعة من الأفراد، سنكتشف أنّ التهديد ليس بالدرجة المخيفة التي ظنناها؛ نتعرّف الواحد على الآخر، ولا نتّفق على محاربة الآخرين حربًا دون هوادة، فالمسؤوليّة الجماعيّة ترتكز على المسؤوليّة الفرديّة. وعلينا — نحن الذين لا نقبل العنف أو عدم الانصياع للقانون — أن نتذكّر أنّنا إذا ابتعدنا عن نقطة الوسط ابتعادًا مفرطًا، ومسسنا بشرعيّة اللقاء مع الآخر، سنُبعد من يقفون من خلفنا إلى ما وراء حدود القانون والأخلاق.


المواطنة والمسؤولية المجتمعيّة

أوري بانكي وعاطف أبو عجاج مواطنان يحترمان القانون، وشخصان معياريّان أصبحا قائدين في ظروف حياتيّة متباينة. أوجه الشبه والاختلاف بين حكايتيهما تشكّل مثارًا للتفكير: فعلى الرغم من أنّ كليهما يعترف بأنّ المجتمعات المحليّة تملك قوّة دفع ذاتيّة لا يستطيع القادة على الدوام إخراجها عن مسارها نحو اتجاه آخر، لكن، وعلى الرغم من ذلك، يحاول كلاهما التسبّب في هذا الانزياح بكلّ ما أُوتيا من قوّة — من خلال فرضيّتين مختلفتين لكلٍّ منهما.

قوّة الدفع المجتمعيّة بالنسبة لبانكي هي مجموعة من الأفراد الذين يجذبون الحبل، لذا نراه يعمل بإصرار على التثقيف المدنيّ وتحمّل المسؤوليّة الشخصيّة، وبهذا فهو يصبو إلى تشجيع المجموعات — على نحو غير مباشر — على تبنّي التسامح السياسيّ، الذي يشكّل قاعدة ملحّة للحياة المشتركة. في المقابل، تبيّن لأبو عجاج أنّ اختياره الشخصيّ أن يكون مواطنًا مسؤولًا غير كافٍ من أجل بناء مجتمع محلّيّ سياسيّ يعيش بسلام مع نفسه ومع مجتمعات أخرى. المواطنة في العلاقة بين المجتمع البدويّ ودولة إسرائيل — بوصفها موقفًا للفرد أمام الدولة — تحوّلت إلى قاعدة سياسيّة هشّة، تكاد تكون جوفاء وفارغة من أيّ محتوى.

إذا ما قبلنا ادّعاء بانكي بأنّ المسؤوليّة المدنيّة هي قاعدة الحياة المشتركة، وإذا تقبّلنا المتضمَّن في أقوال أبو عجاج حول المجتمع البدويّ بأنّه لا يريد التفكّك إلى مجموعة من الأفراد كشرطٍ لقبوله كمجتمع سياسيّ متساوٍ بين متساوين، عندئذ تبقى أمامنا ثلاثة أسئلة: هل يمكن للمسؤوليّة المدنيّة أن تتحقّق بمفردات مجتمعيّة؟ وهل يمكن أن نتوقّع من المجتمعات المحليّة أن تتحمّل المسؤوليّة بكونها مجموعات سياسيّة تتقاسم فضاءً واحدًا؟ وما هي المسؤوليّة المجتمعيّة التي لا ترتكز على قيم ليبراليّة؟

بخلاف مشروعي العمر لأوري بانكي وعاطف أبو عجاج، ليس ثمّة رؤيا هنا، ولا دعوة أو مناشدة للعمل. كلّ ما أريد عرضه — على نفسي، وعليكم، وعليهما — هو طرف خيط لإعادة التفكير بشأن مغزى الحياة المشتركة في إسرائيل، في واقع يتّسم بتنوّع عميق يستوجب منّا أن نخرج إلى ما وراء الخيال الليبراليّ.

الانضمام الى القائمة البريدية